البعثات الكبيرة والصغيرة

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٦/ديسمبر/٢٠١٨ ٠٤:٢٦ ص
البعثات الكبيرة والصغيرة

أساف أوريون

في الأسابيع الأخيرة، سعت إسرائيل إلى كشف أنفاق الهجوم عبر الحدود التي حفرها «حزب الله»، وطلبت من واشنطن فرض عقوباتٍ على بيروت، وتشاورت مع المسؤولين الأمريكيين بشأن مكافحة إنتاج الصواريخ الدقيقة التوجيه في لبنان. ومع تصاعد حدّة التوترات، أصبحت حقيقةٌ واحدة أكثر وضوحاً من أي وقتٍ مضى وهي إن بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة المنتشرة حول إسرائيل غير ملائمة على نحو خطير. ولمعالجة هذه المشكلة، ينبغي على المجتمع الدولي أن يقلّص حجم «قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان» («اليونيفيل») إلى حدٍّ كبير، وأن يعزّز دور «قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك» («القوة»)، وأن يدمج «هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة» («الهيئة») في هاتين البعثتَين.

إن الخبر السار هو عدم خوض «حزب الله» وإسرائيل حرباً مرةً أخرى. ورغم أن هذا الإنجاز يُعزى أساساً إلى ضبط النفس والردع المتبادل من كلا الطرفين، فقد ساعدت «اليونيفيل» في منع تصاعد حدة الاحتكاك التكتيكي خشية تحوّله إلى صراعٍ أكبر من خلال الحفاظ على ترتيبات التواصل والتدخل في النقاط الحدودية الساخنة.

ان إلمام «قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان» بالأوضاع يفوق نتائج الاستخبارات الإسرائيلية - على الرغم من افتقار «اليونيفيل» إلى قدرة مخصصة لجمع المعلومات الاستخبارية، وعلى الرغم من إظهار إسرائيل المتكرر لقدرتها على العثور على منشآت أسلحة تابعة لـ «حزب الله» وإيران في سوريا واستهدافها بدقة.
أُنشِئت «قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك» بموجب قرار مجلس الأمن رقم 350 في نهاية حرب عام 1973، وكانت مخصصة أصلاً لتجنب نشوب حرب أخرى بين إسرائيل وسوريا، من خلال إنشاء منطقةٍ عازلة في مرتفعات الجولان ورصد التزام الطرفَينِ باتفاق فضّ الاشتباك. وقد تغير الوضع إلى حدِّ ما هذا الصيف: ففي يونيو، جدّد قرار مجلس الأمن رقم 2426 مهمة «قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك» لمدة ستة أشهر. وفي يوليو استعادت الحكومة السورية السيطرة على جانبه من مرتفعات الجولان. وابتداءً من سبتمبر أعادت «القوة» معظم قواتها من إسرائيل إلى سوريا، بدعمٍ من كلا البلدَين وتطمينات إضافية من روسيا. وللمرة الأولى منذ اندلاع الحرب، تضمّن تقرير الأمن العام للأمم المتحدة بتاريخ 26 سبتمبر خريطةً محدّثة لموقع «القوة» تظهر بالتفصيل «المواقع غير المحتلة» التي خسرتها «القوة» سابقاً. وفي 15 أكتوبر، أعادت سوريا وإسرائيل فتح معبر القنيطرة لأفراد الأمم المتحدة بعد أربع سنوات من إغلاقه.
ويتمثل التحدي الأساسي الذي يواجه اليوم «قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك» في استئناف مهمتها للرصد بأمان في سوريا الآن بعد نهب معظم مواقعها هناك. وكما حدث مع «اليونيفيل» العام 2006، ستعود «قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك» إلى بيئة ما بعد الحرب حيث ستُكلَّف بمهمة إزالة ألغام الأجهزة المتفجرة المرتجلة، والذخائر غير المنفجرة، وإقامة مشاريع هندسة مدنية وإجراء توعية مدنية. ومن الناحية العملية، تحتاج إلى حماية أفضل للقوة والإنذار المبكر، كما تحتاج إلى نشر المزيد من قواتها في مواقع مؤقتة لاستئناف الدوريات المنتظمة على الجانب السوري من الجولان، بهدف تفادي حدوث أي فراغ يمكن أن يتسلل منه احد. ومع ذلك، فإن القدرات الحالية لـ «القوة» - والتي تشمل 975 جندياً وميزانية سنوية تبلغ 60.3 مليون دولار- لن تسمح لها بمواجهة هذه التحديات في البعثات، حتى بعد وصول سرية آلية إضافية في أوائل العام المقبل.
وغالباً ما يشير المسؤولون في «الهيئة» إلى أن بعثتهم لحفظ السلام هي الأرخص بين بعثات الأمم المتحدة، إلا أنّ ميزانيتها لعام 2018-2019 يكاد لا يُستهان بها، حيث تبلغ حوالي 70 مليون دولار لدعم 153 ضابطاً عسكرياً و153 موظفاً مدنياً دولياً و91 موظفاً وطنياً. إنّ هذه الحقيقة - إلى جانب الإدراك بأن اتفاقية الهدنة لعام 1949 ستبلغ عامها السبعين، وأن إسرائيل لديها معاهدات سلام مع الأردن ومصر، وأن الكثير من مراقبي «هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة» يقومون بمعظم أعمالهم لصالح «قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك» و»اليونيفيل» - تثير تساؤلاتٍ خطيرة حول أهمية «الهيئة».
في ضوء هذا التحليل، ينبغي على المجتمع الدولي أن يتّخذ عدة خطوات لمعالجة نقاط ضعف كل منظمة. يتعيّن على «اليونيفيل» أن تحافظ على مهامها الهامّة بتخفيف التصعيد: أي من خلال وجودها وتدخلها على طول الخط الأزرق، وعلاقتها القوية مع إسرائيل و»القوات المسلحة اللبنانية»، بما في ذلك الآلية الثلاثية الناجحة التي يُجري بموجبها الطرَفان محادثاتٍ مباشرة كل شهر أو شهرين منذ العام 2006. ومع ذلك، ينبغي على الأمم المتحدة أن تُبلِغ عن الحقائق على الأرض بمزيد من الأمانة، من دون التضليل على الوقائع الدامغة عبر صياغة غامضة وذكر «نشاط» لا معنى له.
إن خطر الحرب حقيقي حتى مع هذه الإجراءات، ومع ذلك فإن احتمالات قيام «اليونيفيل» بتحسينٍ جذري لسجلها الحافل ضئيلة، لذا فإن الحفاظ على مثل هذه القوة الكبيرة أمر غير ضروري وربما خطير. وسيكون حجم القوة البالغ حوالي 3 آلاف جندي أكثر منطقية من خلال التركيز على أفراد من الجيوش التي تتمتع بحرفية عالية والتي يمكنها المساهمة في التوعية بالأوضاع في بلدانها الأصلية. علاوةً على ذلك، بهدف زيادة الضغط المالي على إيران ووكلائها، يجب خفض النفقات التي تدفعها «اليونيفيل» على العمال المحليين والمشاريع، خاصةً في المجتمعات التي تشارك في عدوانٍ ضد موظفي الأمم المتحدة. ويمكن أن تصل الوفورات التراكمية لهذه التوصيات إلى 200 - 300 مليون دولار من ميزانية «اليونيفيل» السنوية البالغة 474 مليون دولار.
أما فيما يتعلّق بـ «قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك»، فينبغي أن تنظر في تعزيز دورها كهمزة وصل بين إسرائيل وسوريا، ربما عبر آلية ثلاثية. والأهم من ذلك، يجب أن تستأنف الدوريات والمراقبات الكثيفة في سوريا عبر مواقع مؤقتة. وقد تكون إعادة بناء مواقعها القديمة عالية الكلفة وشديدة البطء وفي غاية الجمود بالنسبة للبيئة المتحولة. كما ينبغي زيادة عدد قواتها بحوالي 300 جندي من قوات المشاة، فضلاً عن المركبات المدرعة ورادارات كشف الحرائق، على الرغم من معارضة دمشق. وفضلاً عن ذلك، ستسمح الأصول العسكرية والهندسة المدنية لـ «القوة» بإعادة منطقة عملياتها إلى ظروف صالحة للعيش والحدّ من الخطر على الجنود والمدنيين على حدِّ سواء، مع إمكانية زيادة جهود التوعية السكانية التي تزيد نسبة قبولها بين السكان المحليين.
وإذا أُخذت هذه التوصيات مجتمعة في عين الاعتبار، فإنها تسلط الضوء على الطبيعة التكاملية لمهمة كل منظمة - فالقوات والأصول والميزانية التي تفتقر إليها «قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك» غير ضرورية بالنسبة لـ «اليونيفيل»، وبالتالي فهي متاحة. ويبدو أن مقر الأمم المتحدة يفهم هذا التفاعل المتبادل، إذ كلّف القائد السابق لــ «اليونيفيل» (الجنرال باولو سيرا) باستكمال مراجعة استراتيجية حديثة لـ «القوة».
أما بالنسبة إلى «هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة»، فيجب أن يُدمج موظفوها في البعثتين الأخرتَين أو في مقر الأمم المتحدة، لأن معظمهم يقومون بالفعل بأدوار تتعلق بالمراقبة أو بالموارد البشرية مع تلك المنظمات الأخرى. إن الرغبة في الاحتفاظ بـ «الهيئة» ككيانٍ منفصل لا تكفي لتبرير التكاليف الكبيرة التي ينطوي عليها الأمر، ناهيك عن الاحتكاك بين قادة البعثات في بعض الأحيان.
وحالياً، يبلغ إجمالي ميزانية البعثات الثلاث حوالي 600 مليون دولار، وبالتالي فإن التغييرات المذكورة أعلاه تمثل تخفيضاً كبيراً في التكاليف. بالنظر إلى رغبة إدارة ترامب المتكررة في تخفيض التمويل الأمريكي لمنظمات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، هناك إمكانية كبيرة لتعزيز هذه الخطوات المهمة.

زميل عسكري زائر في معهد واشنطن.