الاستدامة مسؤولية الجميع

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٣/يناير/٢٠١٩ ١١:١١ ص
الاستدامة مسؤولية الجميع

علي بن راشد المطاعني

المطلع على أهداف الميزانية العامة للدولة كما نشرتها وزارة المالية لعام 2019م، لا يخامره أدنى شك حيال الجهود الفاعلة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في السلطنة وبما يحافظ على مستويات الخدمات الأساسية للمواطنين، وبالتالي فمن الأهمية شرح هذه الأهداف واستنباط بعض الاستنتاجات للتعريف بما حملته من آمال وطموحات وتطلعات كبيرة لفائدة الوطن وأبنائه.

ولكن قبل هذا وذاك لا بد من أن نشيد عاليا بالجهود التي بُذلت لتقديم موازنة لدولة بحجم السلطنة ذات موارد قليلة والتزامات كبيرة، وهنا يتجلى حسن الادارة المالية عندما نجد التوازن الدقيق بين الإيرادات والإنفاق وسط ضغوط من كافة الجهات الحكومية، إذ جميعها ترنو لمخصصات أكبر مقترنة بتطلعات شعبية بمطالب أكثر، الأمر الذي يبعث على الارتياح لهذه الإدارة التي توفق بين هذه الجوانب بسلاسة تسهم في إرضاء كل الأطراف بدون المساس بالمكانة المالية للدولة.

ولا شك أن أهم أهداف الميزانية العامة للدولة كما جاء في البيان هو الاستدامة المالية ورفع كفاءة الإنفاق ‏وهو المحور الأساسي وفق المفاهيم المالية من خلال إعادة ترتيب أولويات الإنفاق وبما ينسجم مع الموارد المالية المتاحة وبما يحقق العوائد الاقتصادية والاجتماعية المنشودة، فمن الأهمية استيعاب هذا الهدف في إطاره الكلي من كافة أجهزة الدولة عبر التأكيد على أن الإنفاق يتبلور وفق محددات تهدف لإضفاء قيمة مضافة عالية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، وليس على الإنفاق على جوانب ليس لها مردود يذكر.
فهناك الكثير مما يجب ترشيده في الإنفاق الجاري في الأجهزة الحكومية أو ترتيب أولوياته وفق مقتضيات المرحلة الراهنة مراعاة للظروف الاقتصادية التي تمر بها السلطنة والعمل على بلورة ترشيد الاستهلاك في الصرف العام.
من الجوانب المهمة في الاستدامة المالية ورفع كفاءة الإنفاق المحافظة على مستويات العجز ضمن المستويات الآمنة وتخفيض حجم الدين العام، وهذا أيضا مرتبط بالإنفاق والإيرادات وكيفية إيجاد التوازن بينهما، وذلك من خلال تخفيض الإنفاق على الجوانب غير المهمة وترشيد الاستهلاك من قبل كافة أجهزة الدولة، فهناك ضغوط لا بد من الحد منها تمارس من الجهات الحكومية لزيادة الصرف الجاري وعلى جوانب يمكن إعادة جدولتها أو القيام بها من خلال المصادر الذاتية وغيرها من البدائل، ومن الطبيعي أن ذلك سوف يساعد على تقليل الإنفاق، فلا يمكن أن نحدث اختراقا في تقليل العجز في ظل صرف غير مرشد.
ولعل تحسين هيكلة الإيرادات الحكومية من خلال رفع مساهمة الإيرادات غير النفطية من إجمالي الإيرادات العامة سيؤدي إلى تقليل الاعتماد تدريجيا على النفط، وهذه نقطة من أهم الجوانب التي ينبغي الحرص عليها من جانب كل الجهات الحكومية عبر إعادة هيكلة خدماتها وتحسينها.
من المؤسف بأن الادراك لهذه الجوانب لا يتعاطى مع التوجهات الحكومية بأهمية الإيرادات غير النفطية عبر حلول مبتكرة وخدمات نوعية، بل إن بعض الجهات انتهجت أساليب خاطئة في تهيئة الرأي العام في تغيير رسوم بعض الخدمات رغم أهميتها في تجويد الخدمات، إلا أن رفعها وإعلانها تم بطرق عشوائية أسهم في رفضها وإثارة البلبلة عليها ما أدى إلى تأجيلها وإلغاء بعضها.
بالطبع الجهود المبذولة للاستدامة المالية ورفع كفاءة الإنفاق تحتاج إلى مجلدات للحديث عنها وتعد ثقافة عامة يجب أن تخصص لها برامج مكثفة في التوعية بهذه الجوانب باعتبارها العلاج الأنجع لكثير من جوانب الصرف الذي يفتقر لمبررات كافية.
نأمل أن تعمل الجهات الحكومية كل في مجال اختصاصها لترجمة اهداف الميزانية بكل تجلياتها وغاياتها، وأن لا يغدو الأمر حبرا على ورق فقط بمرور الأيام، فالمرحلة القادمة تقتضي تقييم الأداء في مثل هذا الجانب وغيره باعتبارها مفاتيح الغد الأفضل لهذا الوطن.