الألقاب ما لها وما عليها..

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٧/يناير/٢٠١٩ ٠٣:٠٩ ص
الألقاب ما لها وما عليها..

علي بن راشد المطاعني

أصدرت وزارة الإعلام تعميما للمطابع بعدم طباعة بطاقات الدعوة للمناسبات بشتى أنواعها وبطاقات التهاني والتعازي أو أي شكل من أشكال المخاطبات مقترنة بالألقاب الإجتماعية والأكاديمية، ما لم يثبت ذلك الاستحقاق رسميا.

التعميم جاء لمعالجة واحدة من الإشكاليات التي بدأت تطفو على سطح الساحة المحلية في إطار البحث المحموم عن الألقاب والتنازع والتسابق عليها كأحد أمراض العصر المزمنــــــة التي باتت تلقي بظـــــلالها القاتمة على مجتمعاتنا للأسف للعديد من الدواعي التي يجب الحد منها ومن ثم اجتثاثها من الجذور.
للتعميم أهميته بدون شك إذ هو قد دق ناقوس الخطر في الوقت المناسب، وتصدى وببسالة لأخطر أمراض العصر الاجتماعية واستهدفت فيروس الوجاهة الكذوب الذي بدأ بالفعل ينهش في اللحم الحي لمنظومة السلم الاجتماعي وتقويض الجهود الحميدة الهادفة لترسيخ دولة المؤسسات والقانون وتعزيز قيم التكافؤ المستندة إلى الكفاءة والنزاهة والاستقامة في توزيع الفرص وتحقيق العدالة الاجتماعية كما يحب ربنا ويرضى.
فعلى الرغم من الجهود المبذولة في هذا الشأن على العديد من الأصعدة والمستويات في الدولة، والمحاولات الصامتة والدائبة للنأي عن هكذا جنوح مرفوض، إلا أن الظاهرة كانت تتفشى في صمت، وتعلن عن وجودها في سكوت وخفوت، حتى وجدنا أنفسنا بين خطورة غض الطرف عنها، وبين الإعلان عن التصدي لها بالشجاعة اللازمة ودون السماح لها بتحقيق أي من أهدافها لا البعيدة ولا قريبة المدى.
اليوم وفي ظل اكتمال قواعد البناء الحسي والمعنوي وانطلاق الدولة في ترسيخ دولة المؤسسات والقــانون وإدخال التكنولوجيا لتفعيل وتسريع الإنجازات والمهمات في كل مرافق الدولة، إلا أنــــــه لا يزال للوجاهة والقشور الاجتمــاعية مكان وسط كــل هذا الجميل.
هذه الممارسات يعززها الواقع القائم على التمايز بين الناس خلافا لما حضنا عليه الدين الإسلامي الحنيف فالكيانات الإجتماعية في بعض الأوقات كانت تعمل على استتباب الأمر للطبقية الاجتماعية وتكبل إرادة مجتمعنا المنطلق لرحاب المستقبل متسلحا بالعلم والإيمان وحدهما، إزاء ذلك من الصعوبة بمكان التكيف مع هذه المتغيرات في ظل وجود عواقب ومتاريس الألقاب التي ما برحت تشرب من ماء السراب.
لقد تزايدت في الآونة الأخيرة بعض النعرات المجتمعية القائمة على الوجاهات عديمة المعنى، وبدأ اللهاث المحموم للحصول على تلك المسميات واستغلالها لفرض وجاهة لا مكان لها من الإعراب في عرف الدين أصلا، وهو ما يفرض مراجعة كل الجوانب المتعلقة بطلب المشيخة والترشيدة أو الشهادات الأكاديمية بدون غطاء علمي حقيقي وغيرها من الأمراض المحدثة التي تسعى لتقويض أركان المجتمع.
ربما نحن الآن في مرحلة انتقالية بين تثبيت أركان دولة المؤسسات والقانون، وبين تجاذبات المجتمعات البدائية القائمة على العشائرية والنخبوية في إدارة المجتمع بنظام المشيخة وغيرها، ومن الأهمية بمكان الاختيار ما بين هذا وذاك وفض الاشتباك بين النقيضين لصالح الصحيح وهو واحد في مطلق الأحوال.
نأمل أن نستقر على نظام واحد يستتب له الأمر بنحو نهائي في دولة المؤسسات والقانـــــــون، وإذا كانت الدولة كما وصفنا فإن اختيارنا واضح لا محـــالة، وبالتالي علينا إزاـة وإزاحة كل الترسبــــــات والوجـاهات الاجتمـــــاعية المعيقة لتقدمنا وانطلــــاقنا لساحات المستقبل بدون تمايز.