الصين تتمسك بالإصلاح والانفتاح

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٧/يناير/٢٠١٩ ٠٥:١٥ ص
الصين تتمسك بالإصلاح والانفتاح

لي لينج بينج

يصادف هذا العام الذكرى الأربعين لتنفيذ الصين لسياسية الإصلاح والانفتاح. يقول المفكر الصيني كونفوشيوس: «حين تصل الأربعين عاماً لا تدع الأمور تختلط عليك» ويشير هذا المصطلح إلى الشخص الذي مر بـ 40 عامًا من النمو وبعض الأمور، يجب أن يكون لديه القدرة على رؤية الأشياء بشكل أكثر عقلانية وأكثر وضوحا. بالنظر إلى التاريخ بعد مرور 40 عاماً، سندرك أكثر أن سياسة الإصلاح والانفتاح هي الخيار الرئيسي لتقرير مصير الصين المعاصرة والسبيل الوحيد للتنمية والتقدم، ليس فقط أنها أحدث تغييراً عميقاً في الصين بل وأثرت في العالم أيضا.

في السنوات الأربعين الفائتة ، بذل الشعب الصيني على مدار مسيرة الإصلاح والانفتاح جهودا متضافرة ومضنية لدفعها إلى الأمام، وحقق إنجازات تاريخية ملحوظة. في عام 1978 ، بلغ إجمالي الناتج المحلي الصيني 364.5 بليون يوان (175 مليار دولار)، وفي عام 2017 بلغ 82.7 تريليون يوان (12 تريليون دولار أمريكي)، وتوسع إجمالي الناتج الاقتصادي بمقدار 225 مرة، وبلغ معدل النمو السنوي بالناتج المحلي الإجمالي 9.5٪. ازداد حجم التجارة الخارجية للصين من 12.3 بليون دولار إلى أكثر من 4 تريليونات دولار. أصبحت الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وأكبر بلد صناعي، وأكبر بلد متداول للسلع، وأكبر بلد احتياطي للعملات الأجنبية وحققت قفزات نوعية حولتها من بلد منخفض الدخل إلى بلد متوسط الدخل.

على مدى الأربعين عاماً الفائتة، أظهرت الصين دائما دورها كبلد كبير منفتح على العالم الخارجي، وقدمت إسهامات كبيرة استجابة للأزمة المالية الآسيوية والأزمة العالمية، حيث تجاوز معدل المساهمة السنوية للصين في النمو الاقتصادي العالمي أكثر من 30%، وأصبحت بذلك مصدر القوة الرئيسي لاستقرار النمو الاقتصادي العالمي، وتخلص أكثر من 700 مليون فرد من الفقر، وتجاوزت مساهمة الصين في تقليل عدد الفقراء في العالم 70%، واعتبرها البنك الدولي أنها «واحدة من أعظم القصص في تاريخ البشرية». في تعاونها الأجنبي، التزمت الصين بمبدأ الولاء والثقة، وجذبت أكثر من 2 تريليون دولار من الاستثمارات الأجنبية، وأصبحت أكبر شريك تجاري لأكثر من 120 دولة ومنطقة. يعتبر معرض الصين الدولي الأول للواردات الذي عقد في شانجهاي الشهر الفائت تجسيداً لمصداقية الصين وعزمها على توسيع نطاق انفتاحها.
ترسخ الحكومة الصينية مبدأ أن كل السلطة ملك للشعب لضمان الحقوق الشخصية وحقوق الملكية وحقوق الإشراف وغيرها من الحقوق التي يتمتع بها الشعب كما هو منصوص عليه في الدستور والقوانين. تحكم البلاد بدقة وفقا للقانون، لضمان استمرارية النظام وتطبيق القانون، ومن خلال قوانين البلاد والقوانين التأدبية للحزب تقوم بتعزيز آليات الرقابة والمساءلة، من أجل دفع وتأمين قافلة الإصلاح والانفتاح.
إن هيكل الاستهلاك للسكان الصينيين تحول من «كاف» إلى «رغيد»، وتغير طلب المستهلك من «يوجد» إلى «جيد». اعتبارا من يوليو 2018 ، بلغ مستخدمي الإنترنت الصينيين 802 مليون. وبلغ عدد مستخدمي التسوق عبر الإنترنت 533 مليون. تتجه الصين نحو مجتمع بدون النقد، حتى الأكشاك أو مطاعم الوجبات الخفيفة ستوفر طريقة للدفع من دون استخدام النقد ويمكن إجراء جميع معاملات الدفع عبر الهواتف الذكية. أصبحت توقعات الناس جيدة بالنسبة للحياة المستقبلية وعلى ثقة تامة بأنها ستتحسن بشكل أفضل.
يتطلع المجتمع الدولي إلى رؤية حكمة الصين ومساهماتها في تحقيق الاستقرار والرخاء للعالم وحل مشاكل البشرية وبرنامج الصين لتوفير المزيد من المنافع العامة الدولية التي اقترحت ضمن مبادرة «الحزام والطريق».
على مدار 40 عامًا من الإصلاح، اكتسبت الصين الكثير من الخبرات القيمة، بما في ذلك: وجود قيادة قوية للأحزاب السياسية، وتحرير العقول وتشجيع الابتكار النظري، واختيار الإصلاحات التدريجية عن طريق «اتخاذ الخطوة الأولى للتجربة»، «عبور النهر من خلال الشعور بالحجارة»، «فهم العلاقة بين الإصلاح والتنمية والاستقرار بشكل صحيح».

قال الرئيس الصيني شي جينبينغ خلال الاحتفال بالذكرى الـ40 لتطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح في الصين:» إن ممارسة الإصلاح والانفتاح على مدار الأربعين عاما الفائتة أظهرت أن «الانفتاح يجلب التقدم، بينما تؤدي العزلة إلى التخلف»، وأوضح أنه «لا يمكن للصين أن تطور نفسها بمعزل عن العالم، كما أن العالم يحتاج إلى الصين من أجل الرخاء العالمي». « إن القرن 21 هو قرن التعاون، وعلى قدر سعة الصدر تتسع ساحة التعاون»، والصين سوف «تواصل التوسع والانفتاح ومواصلة تعزيز بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية». هذه إشارة واضحة إلى أن قادة الصين البارزين وقفوا في الاتجاه التاريخي الجديد لدفع عملية الإصلاح والانفتاح في الحقبة الجديدة. إن إعادة إطلاق الإصلاح والانفتاح في الصين سيجلب المزيد من الفرص لتعميق التعاون بين الصين ودول العالم بما في ذلك سلطنة عمان.

قامت العلاقات الدبلوماسية بين الصين والسلطنة مع بدء سياسية الإصلاح والانفتاح في الصين ولهما نفس العمر. على مدى الأربعين عاماً الفائتة،وقفزت العلاقات بين الصين وسلطنة عمان وتطورت بشكل كبير، وأصبحت صورة مصغرة تجسد الانصهار العميق للصين مع العالم. تعد الصين شريك تجارى لسلطنة عمان لسنوات عديدة، كما تعتبر سلطنة عمان خامس أكبر مصدر لواردات الصين من النفط الخام. حقق التعاون بين البلدين إنجازات مثمرة في مجالات السياسة والاقتصاد والتجارة والاستثمار والعلوم الإنسانية وغيرها. في شهر مايو هذا العام، تبادل الرئيس الصيني شي جين بينغ وسلطان عُمان قابوس بن سعيد رسائل التهنئة، وأعلنا عن إقامة شراكة إستراتيجية بين البلدين والارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى مستوى تاريخي جديد ووضع تصوراً كبيراً للتنمية المستقبلية للعلاقات بين البلدين. وقع البلدان مذكرة تفاهم حول التعاون ضمن مبادرة «الحزام والطريق» لبناء منصة جديدة لتعزيز التعاون الفعلي بين الجانبين في مختلف المجالات. كشركاء استراتيجيين، فإن الصين مستعدة لمواصلة التمسك بمبدأ المشاركة المفتوحة، ومشاركة تجربة الصين الناجحة في الإصلاح والانفتاح مع سلطنة عمان الشقيقة، وفى إطار البناء المشترك لـ «الحزام والطريق» يتم الاستفادة من المزايا النسبية لكل منهما في رأس المال والتكنولوجيا والسوق والموارد لفتح نمط جديد يحقق المنفعة المتبادلة والفوز المشترك للبلدين وتقديم إسهامات جديدة لتعزيز تنمية العلاقات الثنائية وتوفير مساحة أوسع ومزيداً من الفرص التاريخية للتعاون بين البلدين في مختلف المجالات.

لن ينتهي التاريخ ولن يكف النضال. حين نقف أمام معلم الذكرى الأربعين للإصلاح والانفتاح سوف تلخص الصين دروسا تاريخية، حيث التمسك بمفهوم التنمية المفتوحة والإصرار على الانفتاح واتباع الطرق الدولية في الاحتواء والحفاظ بقوة على الاقتصاد العالمي المفتوح ونظام التجارة متعدد الأطراف ومعارضة الحمائية والأحادية والمساهمة المستمرة في السلام العالمي والتنمية وحكمة الصين وبرامج الصين وقوة الصين والعمل مع بقية العالم للبناء المشترك لاقتصاد عالمي مفتوح وبناء مجتمع مصير مشترك للبشرية.

سفيرة جمهورية الصين الشعبية لدى السلطنة