النظام في مواجهة مؤيديه

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٠/يناير/٢٠١٩ ٠٢:٤٩ ص
النظام في مواجهة مؤيديه

د. فيصل القاسم
ترتفع في سوريا هذه الأيام حدة الانتقادات للحكومة السورية، ليس في أوساط المعارضة المعهودة أصلاً، بل في صفوف الموالين والمؤيدين الذين يبدو أنهم شربوا حليب سباع على عجل، وراحوا يلطمون يميناً وشمالاً مستهدفين الرؤوس بشكل مباشر، إلى حد جعل البعض يتساءل: «من أين جاءتهم هذه الشجاعة النادرة وهم الذين كانوا يخشون انتقاد رئيس؟» وقد بدأ الأمر بالمناشدة عن طريق الممثلة شكران مرتجى، لكن أيمن زيدان تجاوز المناشدة وطالب بإعادة كبرياء سوريا المهدور. بينما راح مؤيد معروف بالتهجم على الشخوص قائلاً: «أملنا بكم أصبح صغيراً جداً.» ثم ظهر موال مسيحي معروف ليقول: «ربما استطعت القضاء على المعارضة، لكن عليك أن تعلم أنه لم يعد لديك مؤيدون.» وظهر الإعلامي المؤيد رضى الباشا في فيديو يقول فيه: «لم يبق لنا إلا نناشد الرئيس أردوغان كي ينقذنا من الحكومة.» البعض اعتبرها لعبة مفضوحة للتنفيس على طريقة مسرحيات دريد لحام الشهيرة التي كانت تتطاول على الجميع بطريقة مدروسة وممسوكة، لكن لا بد من الإشارة إلى أن السيل في سوريا قد بلغ الزبا فعلاً وأن السوريين بعد الثورة ليسوا كما قبلها.

وهنا أريد أن أقتبس من مقال مهم ومثير لأحد السوريين في الداخل وهو من المحسوبين على معسكر النظام، لكن ما كتبه بصراحة سيروق لكل السوريين سواء كانوا مؤيدين أو معارضين. ويأتي الكلام بعد الأداء الهزيل للفريق السوري في مباريات كأس آسيا، حيث خسر أمام فلسطين والأردن وأستراليا. ويتساءل غسان المعلم في هذا السياق: «من المجنون الذي يعتقد أنّنا خرجنا من التصفيات منذ ساعات؟ نحنُ خارج كلّ التصنيفات المعتمدة في العالم المتحضّر. جامعاتنا خارج التصنيف! ومناهجنا الأسوأ. جوازات سفرنا هي الأضعف في هذا العالم حتى أن جزر القمــر تحتـــاج لفيزا. مستوانا في الفساد هو المركز الأخير منافسةً مع الصومال كمواطنين.. وفي القرن الواحد والعشرين لا زلنا خارج نطاق المعمورة.. بلا أيّة خدمات ورواتب وبأقسى ظروف معيشيّة يمكن أن تمرّ على وطن ما».

ويضيف: «وطن انقسم بين مؤيّد ومعارض ومقاوم وخائن وبين داخل وخارج وبين انتماء لجهة وانتماء لجهات ونسينا التراب والتاريخ بل إننا انهلنا عليه بكلّ قوّة للتغيير.. ونسينا أننا السادة السوريون. لقد خرجنا منذ سنين عديدة.. خرجنا بمجالس الشعب الوهميّة ومجالس الإدارة المحليّة والتي يعلم أصغر فرد بسوريا أن كلمة عضو تعني القيمة الفلانيّة من الليرات. خرجنا لأننا لم نُسقط وزارة أو مجلساً محلّياً أو حجبنا الثقة عن مختار حيّ صغير».
خرجنا لأننا واظبنا على الترشيحات والتعيينات ونيل الثقة. خرجنا لأنّ قضائنا عبارة عن سمسرة وصفقات. خرجنا لأننا نخاف من سيارة بيجو ستيشن بدلاً من أن تكون الثقة هي العنوان بين المواطن والأمن وليس الذعر والهلع. خرجنا لأن كلّ المسؤولين بلا استثناء أصبحوا في قصور عاجيّة ولا زلنا نصفّق ونطبّل أمامهم عندما (يخرطوننا) ذات الشعارات الخشبيّة عن الصمود والتصدّي، بينما دفاتر عائلاتهم تخلو من شهيد.. وحساباتهم البنكيّة تضجّ وتعمّ وتفيض بالدولارات. خرجنا.. لأن الأعداء يخطّطون لقهرنا منذ عشرات السنين.. ومسؤولونا يعنّفون الصارخ بالخطر.
خرجنا لأننا استبدلنا التوكّل بالتواكل.. ورضينا بكبح جماح العقل واستبدلناه بقُبلات الأيادي والعمائم ودعواتهم لنا بالنصر ودعائنا لهم بالحمد بعد سلب بقايا الفكر والمال. خرجنا.. لأننا أضعنا البوصلة.. البوصلة هي المواطن قبل أي بقعة جغرافية لن تتحرّر بالدعاء. أضعنا الإنسان.. وقضينا على شذرات كرامته عمداً بتدجين مدروس من دويلات الفساد العميقة المتشابكة.
اليوم خرجنا من كأس آسيا.. وغداً من شمال سوريا وبحسب ترامب وأردوغان سيتمّ تقاسمه، وعلينا العمل بدلاً من الشعارات ونقد الناقدين. الذي بعده قد نخرج خارج درب التبّانة إذا بقينا على ذات المنوال ولا زلنا نراوح بذات المكان..
عندما يكون المواطن السوري إنساناً وليس رأس قطيع بحجّة المؤامرات والدسائس وشلّة الإمبريالية سنصحو على وطن حر كريم. وينتهي غسان المعلم نواحه ككل السوريين المتألمين بالسؤال الذي يطرحه كل الشعب السوري بلا استثناء: «هل فعلاً أننا في سوريا نعيش؟»

إعلامي ومقدم برنامج الاتجاه المعاكس في قناة الجزيرة