الشعوب رهينة دفع الثمن

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٠/يناير/٢٠١٩ ٠٢:٤٨ ص
الشعوب رهينة دفع الثمن

أحمد المرشد
«أقل تقدير لتكلفة إعادة إعمار سوريا تصل لنحو 300 بليون دولار، لترتفع تلك التكلفة إلى تريليون دولار».. لم تصدر هذه التقديرات عن أي مؤسسة دولية حتي نتشكك في أرقامها بحكم نظريات المؤامرة التي تنخر في أجسادنا، وإنما قائل هذه الجملة هو الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في إحدى جلسات مؤتمر الشباب الأخير الذي نظمته مصر، الأمر الذي يعني الثقة في المعلومة لأن مصدرها رئيس دولة كادت بلده أن تضيع بسبب «الخريف العربي» الذي أنهك اقتصاديات الدول التي لا تزال تعاني منه، سواء بصورة مباشرة مثل سوريا واليمن وليبيا، أو غير مباشرة مثل العراق ولبنان والأردن ومصر التي استقبلت ملايين اللاجئين العرب بعد هروبهم من نار الحروب الأهلية والفتنة التي تشهدها بلدانهم.
وبطريقته التلقائية، وجه الرئيس المصري للمشاركين في الجلسة تساؤلا جديرا أن نطرحه جميعا علي أنفسنا: «أي حكومة مقبلة في سوريا تستطيع توفير مثل هذه الأرقام لإعادة إعمار هذا البلد الذي دمرته الحرب، مهما كانت هوية هذه الحكومة، أغلبية أم أقلية؟. واستطرد السيسي ليعيد توجيه تساؤل آخر للمشاركين في صورة معلومة: «هل تعتقدون أن هناك دولة في العالم ستعمل علي توفير هذه التكلفة الضخمة لإعادة إعمار سوريا؟.. وهل تعتقدون أن ثمة دولة ستضحي بأموالها ومنحها للسوريين لإعادة تعمير بلدهم؟».. ليضيف بدوره: «الدول المانحة للمساعدات تدخل في معارك لتوفير نحو 10 بلايين دولار».. ثم يوضح لماذا كل هذه الحروب: «ألا تعلمون أن الصراع في العالم علي بسط النفوذ والهيمنة، وبالتالي لن يتبرع أحد بتوفير 300 بليون دولار لإعادة إعمار بلدك الذي دمرتها وخربتها بنفسك، فعليك أنت أن تتحمل نتائج تدميرك وما صنعت يداك»..ثم نأتي للجزء الأهم في الجلسة، حيث رفض الرئيس المصري فكرة مشاركة بلاده في إصلاح الدول التي خربت تماما وتحولت إلى إنقاض، ليؤكد للجميع أن الأمر المطلوب منه كرئيس لمصر هو إصلاح بلده وبنائها وتوفير فرص عمل ومستقبل لشبابها، ولكن للذين خربوا بلادهم فليتحملوا نتائج ما ففعلوه ببلادهم».
نصيحة الرئيس المصري لم تنته بعد، لأنه يتعين علينا العمل بها، فلماذا تتحمل شعوبنا نحن في ظل ظروفنا الصعبة تكاليف إعادة إعمار الدول التي خربتها أيادي شعوبها؟».. ولهذا أضع أمام القارئ العزيز كافة الأرقام المتداولة دوليا عن حقائق خسائر «الخريف العربي»، والأهم من هذا إنه من الصعب تدبير تكلفة إصلاح الدمار في دول مثل سوريا وليبيا والعراق واليمن، فالأرقام مخيفة ويعجز عن تدبيرها مجرد مؤتمر تستضيفه هذه الدولة أو تلك تحت مظلة دولية لتدبير تكاليف إعادة إعمار هذه الدول بعد انتهاء أزماتها السياسية.
بداية نشير إلى أن دراسات بحثية موثقة أكدت أن الدول الكبرى المنتجة للأسلحة قد زاد إنتاجها خلال الأعوام الفائتة، لترتفع صادراتها إلى دول المنطقة وشمال إفريقيا. في حين ساهمت دول «الخريف العربي» بصورة مباشرة أو غير مباشرة، في مضاعفة إنتاج ومبيعات شركات السلاح العالمية نتيجة شرائها أسلحة وذخائر ومعدات بمئات بلايين الدولارات، تستهلكها جميعها في حروبها الأهلية.
هذا من ناحية الأسلحة، ولكن ما يتعلق بخسائر «الخريف العربي» وفقا لأرقام المؤسسات الدولية، فتبدأ من (833.7 بليون دولار أمريكي)، إضافة إلى 1.34 مليون قتيل وجريح، نتيجة للحروب والعمليات الإرهابية، هذا منذ 2011 وحتي آخر عام 2015 وفقا لتقرير «المنتدي الإستراتيجي العربي»، شاملة تكلفة إعادة البناء، وخسائر الناتج المحلي، والسياحة، وتكلفة اللاجئين، وخسائر أسواق الأسهم والاستثمارات. وقد شمل التقرير تغطية الخسائر في 9 محاور: الناتج المحلي الإجمالي، القطاع السياحي، العمالة، أسواق الأوراق المالية، الاستثمار الأجنبي المباشر، اللاجئين، وإعادة بناء البنية التحتية المدمرة. هذا بخلاف 461 بليون دولار حجم الضرر في البنية الأساسية، عدا عن ما لحق من أضرار وتدمير للمواقع الأثرية التي لا تقدر بثمن.
وفي أواخر عام 2016، نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية نقلا عن تقرير للأمم المتحدة أن الاضطرابات التي شهدتها دول «الخريف العربي» خلفت آثارا اقتصادية ثقيلة وشدية الوطأة على دول منطقة الشرق الأوسط، منها خسائر اقتصادية هائلة بلغت 613.8 بليون دولار من صافي النشاط الاقتصادي ما بين عامي 2011 و2015. ولفت التقرير إلى أن الحرب الأهلية السورية تسببت في خسائر في النتائج المحلي الإجمالي ورؤوس الأموال بمقدار 259 بليون دولار منذ 2011.
وعلي المستوي العراقي فقط وخلال عام 2016 ووفقا لما هو متوفر من معلومات، انخفضت الميزانية 90 بليون دولار أي نحو 21 % عن العام المالي السابق، بسبب انخفاض سعر النفط في بلد يعتمد بنسبة 80% من دخله القومي على إنتاج الطاقة وتصديرها. فيما ارتفعت قيمة مشتريات السلاح بأكثر من 20 بليون دولار أي نحو 12 % من الناتج المحلي الإجمالي للعراق. وبشريا، كشفت إحصائيات دولية أن أكثر من 12 ألف شخص قتلوا، ونحو 14 ألفا أصيبوا بجروح مختلفة، في أعمال عنف وتفجيرات ومعارك متواصلة شهدتها غالبية محافظات العراق في العام المذكور، فضلا عن حالات الهجرة إلى الخارج والنزوح في الداخل.
وإذا انتقلنا إلى سوريا، نشير إلى تقرير «وورلد فيجين» الذي اعتمد علي تحليل أرقام البنك الدولي والأمم المتحدة، حيث يؤكد أن الحرب الأهلية أنهكت البلاد بشريا واقتصاديا، وخسائرها ستثقل كاهل الأجيال المقبلة، إذ بلغت الكلفة الاقتصادية للحرب نحو 700 بليون دولار تقريبا حتى نهاية عام 2016. ومن المرجح أن يتضاعف هذا الرقم أكثر من ضعف إذا ما استمرت الحرب حتي العام المقبل، لترتفع كلفتها الاقتصادية إلى تريليون وثلاث مائة بليون دولار تقريبا. في الوقت الذي أسفر النزاع السوري حتى هذا الوقت، أكثر من ربع مليون قتيل (بينهم أكثر من 11 ألف طفل)، وقرابة الخمسة ملايين لاجئ، فيما يحتاج نحو أربعة عشر مليون شخص، بينهم ستة ملايين طفل وفق تقدير الأمم المتحدة إلى مساعدات إنسانية مستمرة.
نعلم أن التقارير التي أشرنا إليها ليست محدثة، ولكن جميعها موثقة ببيانات ومعلومات من الأمم المتحدة وهيئاتها الاقتصادية، والأهم من كل هذا هو التأكيد على ضرورة عدم انسياق حكوماتنا في تقديم مساعدات لشعوب أحرقت دولها ودمرت الأخضر واليابس تنفيذا لوصايا جهات غربية وأمريكية مشبوهة استفادت جميعها مع شركات الأسلحة من هذا «الخريف العربي» المشؤوم.
وأمامنا مقولة نابليون بونابرت: «إن من يكسب الحرب ليس من يملك آخر رصاصة بل آخر قرش»، إذاً علينا بالمشاركة في صنع مستقبل يليق بنا وبشعوبنا، ولنحمد المولي عز وجل علي أنه أنجانا من هذا المصير المظلم الذي رسمه بعض الشياطين لنا.

كاتب ومحلل سياسي بحريني