فرقة ملهمة للاجئين

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢١/يناير/٢٠١٩ ٠٢:٤٥ ص
فرقة ملهمة للاجئين

مات سميث

أربعة شباب فلسطينيين من مخيم شاتيلا للاجئين في العاصمة اللبنانية بيروت هم أبطال الفيلم الوثائقي الدرامي الجديد حيث يتناول فيلم «الجدار» مغامرة هذا الرباعي الشاب وهم يحاولون إقناع نجم الروك البريطاني روجر ووترز بأن يحيي حفلًا موسيقيًا في حيهم المتهالك.

ويُعد ووترز –المغني وكاتب الأغاني وأحد مؤسسي فرقة بينك فلويد الشهيرة- من أشد المؤيدين للحقوق الفلسطينية، لكن هذا الأمر كان محض صدفة، إذ توصلت المخرجة ميرا صيداوي –وهي لاجئة فلسطينية أخرى نشأت في مخيم برج البراجنة القريب من مخيم شاتيلا- للفكرة بعد عرض فيلم فرقة بينك فلويد الذي يحمل الاسم ذاته «الجدار» في نادٍ مؤقت للسينما تديره في مخيم شاتيلا.

وأثار فيلم «الجدار» –الذي يعرض قصة نجم روك مضطرب يحاول بناء جدارًا مجازيًا، وأحيانًا ماديًا، لينعزل عن العالم- إعجاب الجمهور الشاب في شاتيلا.
وقالت ميرا، البالغة من العمر 34 عامًا: «هناك هذه الصورة النمطية الكاملة عن مخيمات اللاجئين في لبنان: أنهم فقراء وبلا مستقبل ويتقاتلون طوال الوقت. يحاول اللاجئون كسر هذه القوالب النمطية؛ ولذلك توصلت إلى فكرة محاولة إقناع فرقة بينك فلويد بالقدوم إلى هنا».
يدور فيلم «الجدار» –الذى جرى تصويره على مدار أكثر من عامين- حول أربعة لاجئين في مخيم شاتيلا، الذين يصورون أنفسهم فيلمًا عن جهودهم للوصول إلى ووترز بعد إكمالهم دورة تدريبية في إنتاج الفيديو مع منظمة دولية غير ربحية. ويعيد أبطال فيلم «الجدار» –الذي ينتمي إلى فئة أفلام الدراما الوثائقية- إحياء بعض المشاهد التي حدثت قبل أن تبدأ ميرا تصوير الفيلم.
وتابعت ميرا، التي تحمل شهادة دبلوم في المسرح وهي ممثلة وكاتبة أيضًا، قائلةً: «إنهم يحبون تصوير مقاطع الفيديو ويريدون أن يقولوا شيئًا ما للعالم، لكن لا يجدون طريقة لذلك؛ لذلك قررت أن أصنع هذا الفيلم معهم».
وأضافت: «بدأ الأمر كفيلم عن دعوة نجم روك للقدوم إلى مخيم للاجئين وأصبح فيلمًا عن كيف يمكنك أن تكون نفسك وتقاوم الظروف في المخيم. كيف يمكنك تحدي نفسك، وكيف يمكنك أن تجعل العالم يسمعك؟ الحياة في مثل هذه الظروف ليست سهلة والبقاء إيجابيًا يتطلب منك الكثير».
هرب عمر، الذي يبلغ من العمر 19 عامًا، مع عائلته من مخيم اليرموك للاجئين في العاصمة السورية دمشق. هو شاب حساس وهادئ، لكنه يحب الغناء والتمثيل، في حين ترتدي ريان البالغة من العمر 22 عامًا حجابًا وتقود دراجة نارية. وبعد أن نشأت في مخيم شاتيلا –الذي أُنشئ عام 1949 ويعيش فيه نحو 10 آلاف لاجئ مسجل- تشعر ريان براحة وثقة أكبر في العيش بالمخيم وتتمتع بصفات قيادية فطرية.
بينما جاء سميح البالغ من العمر 18 عامًا أيضًا من مخيم اليرموك؛ هربًا من الحرب الأهلية السورية. وأٌجبر الشاب الخجول الرصين على ترك دراسته وفقد الأمل حينما وصل إلى مخيم شاتيلا، لكن دورة إنتاج الفيديو منحته تفاؤلًا متجددًا للمستقبل. تبدو ملك البالغة من العمر 22 عامًا أصغر من سنها، وتشعر بحزن عميق بسبب الحرب السورية، لكنها تخفي ذلك بالضحك.
تقول ميرا: «كل من هؤلاء الشباب الأربعة لديه أبعاد وأعماق مختلفة، لكنهم جميعًا يريدون تقديم شيئًا مميزًا. تصوير هذا الفيلم جعلني أدرك أن الجدار الحقيقي موجود داخلنا أيضًا، وأن المعاناة التي تظهر في فيلم «الجدار» تشبه ما نواجهه».
وانتهت المرحلة الثانية من مونتاج الفيلم البالغ مدته 30 دقيقة، لكنه يحتاج إلى المزيد من المونتاج ويجب أن ينتهي إعداده قبل أواخر يناير المقبل من أجل التأهل للمشاركة في مسابقات مختلفة. ما زال صناع الفيلم يحاولون الوصول إلى روجر ووترز، الذي يجري حاليًا جولة عالمية.
وأوضحت المخرجة الأمريكية إيمي وليامز، منتجة الفيلم، قائلةً: «هذا الفيلم رائع حتى من دون روجر ووترز. لا تُعد مشاركة روجرز ضرورية؛ لأن الفكرة هي أن قصتهم وأحلامهم ورؤيتهم وفنهم يجب أن تكون بقدر أهمية أعمال المشاهير. هل سيتطلب الأمر قدوم أحد المشاهير إلى المخيم للحصول على اعتراف العالم بالأوضاع هناك؟»
ساعدت إيمي في جمع نحو 22 ألف دولار أمريكي لتمويل الفيلم وتحتاج إلى جمع 10-15 ألف دولار آخرين لدفع أجور طاقم العمل وتمويل توزيع الفيلم.
وبعد أن قابلت ميرا خلال رحلة إلى مخيم شاتيلا، تعتقد إيمي أن المخرجة الفلسطينية أمامها مستقبل هائل.
وقالت إيمي: «ميرا لديها موهبة كبيرة حقًا، ولديها الكثير لتقدمه. لطالما أدركت أنك عندما تذهب إلى أماكن ذات موارد شحيحة للفنون، ستجد انفجارًا في التعبير. هناك مسرح وموسيقى وفن شارع مفعم بالحياة دون أي نوع من التمويل. هناك كل هذه الطاقة الإبداعية التي تتدفق من أشخاص لا يملكون شيئًا».
عندما بدأ تصوير فيلم «الجدار»، كان أصغر صناع الفيلم حديثي العهد يبلغ من العمر 16 عامًا فقط؛ ولذلك يبرز الفيلم التحول من الطفولة إلى مرحلة البلوغ.
واختتمت إيمي حديثها قائلةً: «كلما تقدمت في العمر –مثلما حدث معهم في أثناء تصوير الفيلم- تصبح الأمور أصعب، إذ تواجه حقيقة حياتك. لذلك عندما نتقدم في العمر، كيف نحافظ على آمالنا وأحلامنا؟».

كاتب وصحفي