إدارة ترامب تودع الغايات

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٢/يناير/٢٠١٩ ٠١:٤٦ ص
إدارة ترامب تودع الغايات

كارل بيلدت

بين الحين والآخر، يذهب أحد القادة السياسيين الأميركيين إلى القاهرة لإلقاء خطاب يلخص أهداف السياسة الأميركية في الشرق الأوسط الذي لا تنتهي التحديات التي يفرضها. على سبيل المثال، في يونيو 2005، ألقت وزيرة الخارجية آنذاك كوندوليزا رايس خطابا مؤثرا وضع النهوض بالحرية والديمقراطية على جدول الأعمال الأميركي.

أشارت رايس إلى أن الولايات المتحدة استمرت على مدار 60 عاما في السعي إلى تحقيق الاستقرار على حساب الديمقراطية في هذه المنطقة... «لكننا لم نحقق أيا منهما. والآن، نحن نتخذ مسارا مختلفا. فنحن ندعم تطلعات جميع الشعوب في الحياة الديمقراطية». وفي الرد على الذين يتهمون الولايات المتحدة بفرض الديمقراطية على المنطقة، قالت: «في الواقع، العكس هو الصحيح. لا تُفرض الديمقراطية أبداً. ما يُفرض على الشعوب هو الاستبداد».

وغني عن القول إن عددا من القادة الإقليميين انزعجوا بشكل واضح من هذا الخطاب، نظرا لأنه جاء بعد عامين فقط من الغزو الأميركي للعراق. لكن رايس كانت تقوم أيضا بمتابعة تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2002، الذي سلط الضوء على الأوضاع البائسة في المنطقة، وشددت على ضرورة إجراء إصلاحات بنيوية طويلة الأجل.
بعد مرور أربع سنوات، كان دور الرئيس المنتخب حديثا، باراك أوباما، حان للتوجه إلى القاهرة. وفي خطابه، قلل أوباما من أهمية الترويج للديمقراطية وشدد على الحاجة إلى علاقة أكثر انسجاما بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي بأسره، بينما دعا أيضا إلى حل الصراعات الإقليمية.
وفيما يتعلق بالقضية الإسرائيلية-الفلسطينية، تبنى خطاب رايس «رؤية لدولتين ديمقراطيتين تعيشان جنبا إلى جنب في أمن وسلام»، بينما ذهب أوباما إلى ماهو أبعد من ذلك، واصفا وضع الفلسطينيين بأنه «لا يحتمل» ومنتقدا بشدة أنشطة إسرائيل الاستيطانية.
من منظور أوباما، كان الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني غير المحسوم يشكل ثاني أكبر خطر يهدد المنطقة، بعد «التطرف العنيف». يأتي بعد ذلك البرنامج النووي الإيراني والتهديد بسباق تسلح إقليمي، يليه غياب الديمقراطية، وانعدام الحرية الدينية والتخلف الاقتصادي. ووضع تصورا «لعالم يتمتع فيه الإسرائيليون والفلسطينيون بالأمن في دولة خاصة بهم ... وتُحترم فيه حقوق جميع أبناء الرب».
لكن هذا لم يتحقق. فعلى الرغم من الجهود الدبلوماسية المكثفة التي بذلها وزير الخارجية الأميركي جون كيري خلال ولاية أوباما الثانية، لم يتسن التوصل إلى تسوية سلمية. وفي خطاب وداعه في ديسمبر العام 2016، ألقى كيري باللوم على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
قد تختلف الآراء حول ما إذا كان لخطابات رايس أو أوباما أي دور في أحداث الربيع العربي العام 2011، التي بدأت في تونس واتخذت من ميدان التحرير بالقاهرة موطنا رمزيا لها. لكن من الواضح أن أولئك الذين خرجوا إلى الشوارع للمطالبة بالديمقراطية والحكومة التمثيلية كان يحدوهم أمل صادق في مستقبل أفضل. مرة أخرى، لم يتحقق أي من ذلك. ففي معظم البلدان التي احتشد فيها الناس للمطالبة بالإصلاح السياسي والاقتصادي، كانت النتيجة هي الثورة المضادة والقمع، وفي حالة سوريا، اندلاع الحرب الأهلية.
فشل أوباما في تجنب الكارثة في سوريا. لكنه في سعيه وراء أولوياته التي سبق ذكرها، ساعد في منع حرب مدمرة على مستوى المنطقة من خلال إبرام الاتفاق النووي مع إيران في العام 2015. وأدى ذلك بدوره إلى مزيد من الانخراط مع إيران في جميع القضايا الأخرى ذات الأهمية، بما في ذلك حقوق الإنسان.
في هذا الشهر، سافر وزير الخارجية الأميركي الحالي، مايك بومبيو، إلى القاهرة لإلقاء خطابه. وأوضح أن نهج إدارة ترمب تجاه المنطقة يمثل خروجا صارخا عن نهج سابقاتها.
بدأ بومبيو بمهاجمة أوباما لأنه بنى استراتيجيته على «سوء فهم جوهري» للتاريخ. ثم أعلن أن السياسة الأمريكية سوف تركز من الآن فصاعدا على تدمير أكبر مصدرين للشر في الشرق الأوسط: «التطرف « و»موجة الدمار الإقليمي وحملات الإرهاب العالمية التي تقودها إيران».
اختفى أي حديث عن الديمقراطية والإصلاح. وفيما يتعلق بمسألة السلام بين إسرائيل وفلسطين، اكتفى بومبيو بالإشارة إلى قرار ترامب الهَدَّام بنقل سفارة الولايات المتحدة الأمريكية إلى القدس. لم يُشر الخطاب إلى ضرورة التغلب على الانقسامات وإقامة جسور التواصل وانفتاح المنطقة أمام التنمية الاقتصادية، لكنه كان محملا بالكثير من الإشادات الضمنية بالحكام المستبدين الذين تمكنوا من تحقيق الاستقرار. الواقع أن تغييرا جذريا طرأ على نهج أمريكا في التعامل مع المنطقة: فقد اعتنق بومبيو تحديدا تلك السياسة الفاشلة التي رفضتها رايس في العام 2005.
فيما يتعلق بقضية إيران الرئيسية، كشف الخطاب عن سياسة «الصدام من أجل الصدام» العقيمة التي تنتهجها الإدارة. وبحسب قول بومبيو، فإن إيران هي مصدر كل مشكلة في المنطقة. وأعلن أنه بدون تغيير سياسي عميق في طهران «لن تنعم دول الشرق الأوسط بالأمن أبدا، ولن تحقق الاستقرار الاقتصادي أو أحلام شعوبها».
هذا هراء. لا علاقة للنظام الإيراني بالقمع الوحشي في في بعض دول الشرق الأوسط، أو المشاكل البنيوية الجسيمة في السعودية، أو الطريق المسدود الذي وصل إليه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. علاوة على ذلك، فإن إيران هي عدو لدود (لداعش)، وقامت بتخصيص موارد لتلك المعركة.
خلاصة القول، يبدو أن مبدأ بومبيو يتمثل في المواجهة المطلقة مع إيران، والدعم القوي للأنظمة الاستبدادية المستقرة، وإهمال القضية الفلسطينية، وعدم الاكتراث على الإطلاق بالنظم التمثيلية في الإدارة والإصلاح. لا تتجاهل إدارة ترامب التصعيد الحالي للتوترات في جميع أنحاء المنطقة فحسب، بل إنها تدعمه بنشاط.
من وجهة النظر الأوروبية، يبدو هذا أمرا مقلقا للغاية. حيث إن الصراعات في الشرق الأوسط لها آثار بعيدة المدى على أمننا واستقرارنا. وفي غياب القيادة الأميركية، تحتاج أوروبا إلى انتهاج سياسة خاصة للحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران وتعزيز حل الدولتين للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. كان الاتحاد الأوروبي واضحا وصريحا بشأن هاتين النقطتين. لكن يجب أن تُترجم هذه الأولويات إلى رؤية شاملة للإصلاح والمصالحة في المنطقة بأكملها.
وعلى عكس خطابات رايس وأوباما، من غير المحتمل أن يُلهم خطاب بومبيو أي شخص خارج دائرة صغيرة من السلطويين الإقليميين. ومع تخلي الولايات المتحدة عن القيادة الأخلاقية، فإن الأمر متروك لأوروبا لكي تثبت لهؤلاء الذين يتطلعون نحو الديمقراطية والإصلاح أنهم ليسوا وحدهم.

وزير خارجية السويد في الفترة من 2006 إلى
أكتوبر 2014، ورئيس الوزراء من 1991 الى 1994