الرياضة صناعة..

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٣/يناير/٢٠١٩ ٠٤:٠٠ ص
الرياضة صناعة..

علي بن راشد المطاعني

تابعت رود الأفعال بعد خروج منتخبنا الوطني من تصفيات كأس آسيا لكرة القدم بأبوظبي، بعد إهداره لضربة جزاء في بداية المباراة.

ردود الأفعال وبطبيعة الحال تراوحت ما بين الإيجابية والسلبية، وهذا أمر طبيعي في كرة القدم، لكن السؤال المطروح الآن وبعد الخروج هو إلى متى نظل نتعاطى ردود الأفعال بشقيها باعتبارها كل ما يمكن تقديمه للرياضة وللرياضيين، متناسين الحقيقة الجوهرية والقائلة إن النتائج الإيجابية لن تأتي إلا بالتخطيط العلمي السليم وبعيد المدى وليس بالأمنيات ولا بالتمنيات؛ فالرياضة اليوم غدت (صناعة) قائمة بذاتها ككل الصناعات المعروفة والتي تبدأ بإحضار المواد الخام ثم معالجتها على مراحل وصولا للحصول على المنتج الذي يمكن بيعه والحصول بعدها على الأموال.
كما أنها قد أمست ثقافة يتم تعاطيها منذ الصغر والاستمرار في التزود من معينها وحتى آخر يوم في أعمارنا، وهي أيضا منهاج حياة تمارس في الحارات والأحياء بعد توفر أو توفير الملاعب المناسبة ليجد الطفل مبتغاه فيها بنحو عفوي ولا إرادي، ثم تغدو جزءا من المناهج الدراسية في المدارس والكليات والجامعات وغيرها من محاضن التربية، لنصل في نهاية المطاف وكأمر طبيعي أيضا إلى انها انتقلت من مرحلة الهواية وفي كل ضروبها إلى مرحلة الاحتراف الكامل أي أنها تحولت إلى مهنة ككل المهن المعروفة في الحياة.
ولكي نصل لتلك المرحلة والتي سيعقبها حصد النتائج وصعود منصات التتويج واختطاف الكؤوس والعودة بها للعاصمة مسقط، لا بد لنا من البدء بالخطوة الأولى في هذا الطريق الطويل والشاق، فالإيمان بان هذا هو السبيل الوحيد للوصول لقمم المجد يعد كافيا لانطلاق المسيرة.
فهي إذن -أي الرياضة- لم تعد تُمارس لقضاء أوقات الفراغ، ولم تعد جزءا ثانويا في حياتنا اليومية، هي استثمار ككل الاستثمارات المعروفة، أي أموال طائلة تنفق وبغير تقتير، ثم نقف هناك ننتظر النتائج ونحن على يقين بأنها ستأتي كما ينبغي، فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.
على ذلك نسأل أنفسنا مرة أخرى ماذا قدمنا من كل هذه المعطيات التي أشرنا إليها؟ لا شيء.. تلك هي الإجابة الصادقة، إذن نقولها صراحة لا بد لنا إن أردنا اللحاق بالركب من تحويل الأندية إلى شركات تعمل بنظام الربح والخسارة، وتستثمر في كل مقوماتها وأصولها وتعيد النظر في منظومة تأسيسها، ثم تدخل في شراكات وأعمال اقتصادية لكي تجذب استثمارات حتى من خلف البحار، عندها فقط يمكننا القول بأن لدينا قلاعا رياضية شاهقة كما لنا قلاع آثارية وتاريخية شامخة.
عليه لا يجب علينا أن نمني أنفسنا بنتائج باهرة أو خافتة الضوء في بطولات قارية أو عالمية قبل ان ننظر إلى واقعنا الرياضي بعين فاحصة لنرى فيما إذا كنا قد أخذنا بأسباب النهوض الرياضي العلمي الحديث، أم ترانا لا نزال نصر على عهدنا القديم.
فالولايات المتحدة الأمريكية -على سبيل المثال لا الحصر- نجدها دائما وفي كل البطولات الأولمبية تتصدر قوائم حصد الميداليات بأنواعها الثلاثة، وهي تعد النموذج الأوضح لما أشرنا إليه، فهناك قانون معمول به ينص على أن أي طالب موهوب في رياضة معينة ينال منحة دراسية في إحدى الجامعات العريقة، ويلتحق بفريق الجامعة طيلة سنوات الدراسة، وبعد التخرج يتم توظيفه فورا بأحد الأندية الكبيرة، وهذا يعني أن هناك نظاما يولد من خلاله اللاعب ويتم تبنيه بأعلى المستويات، هكذا يصنعون النجوم وليست المسألة خبط عشواء بأي حال من الأحوال.
آمل أن يعاد النظر في مفهوم الرياضة بشكل شامل وكامل، وأن نعيد ترتيب كل الأولويات، ابتداء من بث الوعي الابتدائي بأنها صحة وثقافة وعلم، وقبل أن تكون لعبة وبطولة ومباراة، فلا يمكن لنا أن نصنع مجدا رياضيا شامخا بغير أن نضرب في طلابه أكباد الإبل.