محادثات بين السعودية وأنصار الله

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٤/يناير/٢٠١٩ ٠٥:٢٠ ص
محادثات بين السعودية وأنصار الله

باربارا أ. ليف
إيلانا ديلوزيي

لا تزال الآمال كبيرة بشأن عملية السلام الجارية حالياً بين الحكومة اليمنية وأنصار الله، ويعود ذلك إلى حد كبير لأن المبعوث الخاص المعيّن من قبل الأمم المتحدة، مارتن غريفيث، وضع لها توقعات منخفضة في البداية. وفي هذا الصدد، وصف غريفيث على نحو خاص الاجتماعات التي أُطلقت في ديسمبر بـ "مشاورات" لبناء الثقة وليس بمحادثات سلام. وأحرزت معايرته الواقعية تقدماً بطيئاً مصحوباً ببعض التعثر، ولكنّها أدّت أيضاً إلى أوّل جهد ناجح للجمع بين الطرفين منذ انهيار المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة في أغسطس 2016.
إلا أنّ هدفه - مفاوضات سلام نهائية تضع الأساس لتسوية سياسية دائمة للحرب الأهلية الكارثية التي دامت أربع سنوات في اليمن- من غير المرجح أن يفي بالهدف الأسمى الذي أدى إلى تدخل السعودية والإمارات في المقام الأول، وهو وضع حدّ للنفوذ الإيراني في اليمن. إذ يتطلب حل هذه المسألة التوصل إلى تسوية سلمية تعيد توجيه أنصار الله نحو ترتيب مختلف كلياً مع جارهم السعودي.
بينما كان قرار السعودية بالتدخل في اليمن عام 2015 قد جاء ظاهرياً استجابة لنداء من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، إلّا أن الرياض أوضحت منذ البداية أن هدفها الرئيسي هو إفساد العلاقة المزدهرة بين أنصار الله وطهران. وبعد أربع سنوات من اندلاع الحرب، يبقى هدف السعودية الاستراتيجي الأسمى دون تغيير، وهو: إنهاء طموحات إيران الهادفة إلى إنشاء الوكلاء في اليمن وبالتالي تقليل التهديد على الوطن السعودي. فالمحادثات الجدية والمباشرة مع الحوثيين هي أفضل وسيلة لتحقيق هذا الهدف.
لا تزال الأهداف الاستراتيجية النهائية لأنصار الله غامضة. فقد أخبرَنا أحد اليمنيين الشماليين، على دراية واسعة بالجماعة، قائلاً "لا أعرف في بعض الأحيان ما إذا كانوا أنفسهم يعرفون". ومع ذلك، فقد أشار أنصار الله منذ فترة طويلة وبشكل سرّي إلى اهتمامهم بالمحادثات المباشرة مع السعوديين، أكثر من اهتمامهم بالتفاعل مع حكومة هادي، حيث يدركون جيداً أنها ذات عمر نصفي سياسي محدود. وقد تمت محاولة إجراء اتصالات بين أنصار الله والسعوديين بشكل متقطّع طوال فترة النزاع، وإن كان ذلك دون نتائج دائمة.
يريد أنصار الله اعترافاً بدورهم الملحوظ في الحيّز السياسي والديني في اليمن وبأنهم سيظلون يلعبون هذا الدور. ففي محادثات السلام التي تقودها الأمم المتحدة، من المرجح أن يشير انصار الله إلى انهم جماعة باعتبارها حركة وطنية غير طائفية لها مطالب تعود إلى نتائج "الحوار الوطني"، وتحديداً تمثيل رفيع المستوى في الحكومة الانتقالية بعد انتهاء الصراع وحرية الدين. وفي المحادثات مع الرياض، قد يسعون أيضاً، على أقل تقدير، إلى إنهاء السلفية التي تموّلها السعودية في شمال اليمن، والتي بدأت في السبعينيات وأصبحت مصدراً للاحتكاك المتصاعد والنزاع المسلح في نهاية المطاف خلال العقد الأول من القرن الحالي.
لقد أدّت ست حروب في صعدة ضد حكومة الرئيس السابق علي عبد الله صالح بين عامَي 2004 و2010 - مع انضمام الرياض في عام 2009 - إلى تعميق ترسيخ انصار الله على الأمن الإقليمي وسلامة الأراضي الوطنية. فمن المحتمل أن يكون السعوديون وانصار الله متباعدين تماماً عمّا يعتبرونه المجال الحوثي. وبغض النظر عن ذلك، فمن المرجح أن تصرّ الرياض على أن ينزع انصار الله سلاحهم بالكامل، بينما سيصر انصار الله بالتأكيد على الاحتفاظ بالأسلحة للدفاع عن أنفسهم. فالانتقام، في النهاية، سيكون دافعاً قوياً في مرحلة ما بعد الصراع بالنسبة للمجتمع القَبَلي في اليمن، ولدى انصار الله الكثير لتوضيحه في نظر الموالين لصالح، من بين آخرين. كما سيظلون هدفاً لتنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية». وكجزء من دعوتهم لـ "الشراكة الوطنية"، سيطلب انصار الله أيضاً دمج قواتهم في الجيش الوطني. ولعلّ الأهم من ذلك هو أنّ انصار الله سيطالبون بضمانات أمنية تقضي بعدم عبور القوات السعودية للحدود وانخراطها عسكرياً من جديد- عندما يحوّل العالم انتباهه عن اليمن.
في الوقت الذي تضررت فيه اليمن الشمالية بشكل خاص من جراء الغارات الجوية التي وجهها التحالف، فستكون مسألة المساعدات السعودية لإعادة الإعمار قضية حساسة. وقد لمّح أحد المتخصصين في اليمن إلينا، أنّ "بعض الناس في المنطقة لن ' يأكلوا اللحوم ' من أيدي السعودية مهما كانوا يائسين". فالحصول على مساعدة حاسمة في مجال إعادة الإعمار- حتى من أطراف ثالثة - كجزء من تسوية أكبر، سيهمّش دور طهران، التي خلاف ذلك ستتحرك لاستغلال هذه الحاجة. ويحتاج انصار الله إلى شريان حياة اقتصادي لمنطقتهم الشمالية في مرحلة ما بعد الصراع، وهي حاجة يمكن معالجتها جزئياً من خلال زيادة التجارة الحدودية مع السعودية.
ومع ذلك، يمكن إجراء محادثات جوهرية مباشرة مع معايير واضحة المعالم. ففي الواقع، نجحت مثل هذه المناورة الدبلوماسية في عام 2016 عندما تحدّث مسؤولو الاستخبارات السعودية مع انصار الله بشكل مباشر ووافقوا على وقف التصعيد. حتى إنّ انصار الله ذهبوا إلى حد إدانة إيران من أجل إبرام الصفقة. وكان هذا الجهد فعّالاً لكن قصير الأمد. ويرتبط درسان من هذا المسعى الأخير ارتباطاً وثيقاً بإجراء محاولة أخرى: أولاً، لعب هادي دوراً هدّاماً في ذلك الوقت، بسبب عدم علمه بالمحادثات السعودية - وانصار الله إلّا بعد حدوثها، حيث اعتبرها تهديداً لمنصبه. ثانياً، تم ربط الاتفاق بين السعودية وانصار الله في ذلك الوقت بالمحادثات الداخلية اليمنية التي قادتها الأمم المتحدة. وقد أدى انهيار تلك المحادثات إلى إفساد القناة السعودية الحوثية. إن توقّع مثل هذه المخاطر المحتملة سيكون أمراً أساسياً لتجنّب الوقوع فيها مرة أخرى. وفي هذا الصدد، علمنا من جهة اتصال تابعة للأمم المتحدة أنّ لجان التهدئة التي أنشئت عام 2016 لا تزال قائمة ويمكن إعادة تشغيلها في وقت قصير. وذلك من شأنه أن يشكّل بداية جيدة.
كان يجب على الرياض أن تكون قد تعلّمت بالفعل من جهود سابقة قصيرة الأمد، بأن لا تقلل من شأن مهارات التفاوض التي يتمتع بها الحوثيون. فغالباً ما يلاحظ المراقبون الأجانب افتقار الجماعة إلى البروز على الصعيد الدولي وقلة خبرتها الدبلوماسية، وقيادتها الشابة ومع ذلك يملكون تحت تصرفهم- إذا اختاروا ذلك- الأدوات الحسنة الإعداد للدبلوماسية اليمنية الشمالية، وهي: الوساطة والحوار والتسوية.

باربارا ليف: زميلة زائرة متميزة في زمالة "روزنبلات" في معهد واشنطن
إيلانا ديلوزيي: زميلة أبحاث في "برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة"