المجالس البلدية وحتمية التطوير للأفضل

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٤/يناير/٢٠١٩ ٠٤:٠٠ ص
المجالس البلدية وحتمية التطوير للأفضل

علي بن راشد المطاعني

في الوقت الذي يتطلب أن تعزز فيه المشاركات الشعبية في صياغة القرار في السلطنة ، من خلال منظومة مجالس الشورى والبلدية وغيرهما من محاضن المشاركة السياسية في البلاد، إلا أن تنظيم هذه المجالس يحتاج إلى تفعيل أكبر مما هو عليه الآن.

فالمجالس البلدية على سبيل المثال تقبع ما بين مطرقة تنازع صلاحياتها مع مجلس الشورى، وسندان عدم التوزان في تشكيلة المجالس بين المسؤولين الحكوميين وأعضاء المجالس البلدية، بل إن الوضع في لجان شؤون البلدية بالولايات أسوأ بكثير، وذلك عندما لا يكون لأعضاء المجالس البلدية المنتخبين أي دور يذكر في هذه اللجان (لجان الشؤون البلدية)، وذلك لتشكيلة وتركيبة هذه اللجان والتي تتكون من(الوالي ومدير البلدية وعضوين يختارهم الوالي) مقابل (عضوي المجلس البلدي المنتخبين اللذين يمثلان المجتمع لكل ولاية التي لا يزيد عدد سكانها عن 30 ألف نسمة، بمعنى أن تشكيلة هذه اللجان بواقع (4 مسؤولين حكوميين مقابل 2 أعضاء منتخبين) في واحدة من الاختلالات الهيكلية في تشكيل اللجان تفقد العضو النيابي في العمل البلدي مفعوله وتبقي القرار في يد الجهات الحكومية.

بتلك المعادلة فإن دور العضو المنتخب يتلاشى في لجان شؤون البلدية، ولا يكون له أي أثر إزاء اتخاذ قرار ما لصالح ولايته ويحقق من خلاله تطلعات ناخبيه وآمالهم المعقودة عليه، والنتيجة في هذه حالة، المزيد من الإحباط يعيشه أعضاء المجالس البلدية، وتراكمات من عدم الرضا تنعكس عبر تدني مشاركتهم وتفاعلهم مع مجريات العمل في الولايات.
فعلى الرغم من مرور نحو 8 سنوات على تجربة المجالس البلدية في السلطنة وهي فترة تأسيسية جيدة، إلا أن هذه التجربة لم تحظ باهتمام كاف على العديد من الأصعدة والمستويات، فلا صلاحيات واضحة للمجالس، ولا تمثيل في لجان الشؤون البلدية يتناسب مع دورهم كأعضاء، ولا وضعية لهم مريحة ، ولا مزايا ينالونها تساوي على الأقل نصف ما يُمنح لأعضاء مجلس الشورى مثلا.
كل هذه الآهات والأوجاع والآلام التي تصب مباشرة على هذه المجالس كشلال بدأت تنعكس سلبا عليها عبر العديد من الجوانب، حالة عدم الرضاء التي تسود في المجتمع من دور مجالس البلدية وندم من المترشحين وانتقادات لإدارة المجالس بهذه الوضعية، ولا ندري ما يخبئه المستقبل لهذه التجربة المترعة بالتناقضات ما برحت.
على ضوء ذلك لابد من معالجة المجالس البلدية بشكل أفضل عبر حزمة معتبرة من الصلاحيات تعيد لها دورها النيابي المعروف كمجالس بلدية الذي ضاع في شعاب الطرق، ومدها بعد ذلك بالاهتمام المعنوي للأعضاء لكي يحسوا معنويا على الأقل بكونهم أعضاء، لعل تلك الخطوات تفلح في إعادتها للحياة كما ينبغي وقبل هذا وذاك أن تكون دفة العمل في مجالس البلدية ولجانها في يد الأعضاء المنتخبين وليس موظفين معينين.
فهذه المجالس كما أراد لها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله- معبرة عن المجتمع وعاكسه لتطلعاته وكأحد جوانب المشاركة الشعبية التي يجب أن تتطور للأفضل، لكن اللوائح التي نظمتها على ما يبدو إصابتها في المقتل من خلال الاختلالات في تشكيلاتها وإجراءات عملها وممارسات رؤسائها.
إن تعزيز العمل البلدي ينطلق أساسا من حتمية وضرورة تمكين الأعضاء من المشاركة الفاعلة في صياغة منظومة التنمية المستدامة في ولاياتهم وعبر تفاعلهم اليومي واللحظي من ناخبيهم، وليس عبر الصيغة الحالية المفتقدة للتوازن العددي والذي شل بالفعل حركتهم على نحو فادح.

فالمجالس البلدية تضم عددا كبيرا من الأعضاء الحكوميين ممثلين لدوائر الخدمات ويفترض وجودهم في هذه المجالس لتسهيل تقديم الخدمات والتي يتقدم بها المجتمع من خلال أعضائه المنتخبين، ولكن أصبح العكس تماما، فالطلبات المقدمة من الأعضاء المنتخبين لا ينظر فيها ويتم تهميشها، في حين أن الطلبات التي تقدم من الجهات الحكومية يتم فرضها على المجالس بما يتوافق مع المسؤولين في الجهات أو لجان البلدية بمعنى أن الأعضاء اصبح لا وزن ولا قيمة لهم.

بل من الغرابة أن المشاريع التي يتم تنفيذها لا يطلع عليها أعضاء المجالس البلدية ولا يسمح لهم التدخل في التنفيذ، فمع الأسف هذا ما آلت إليه مجالس البلدية من أوضاع أفرغتها من أهميتها ودورها، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل بقي هناك معنى لانتخابات المجالس البلدية بعد أن أصبح كل ما يتخذ من قرارات فيها حكومي بامتياز؟ وهل ننتظر من هذه التجربة أن تتطور على ضوء هذه الممارسات.

نأمل أن تعزز مجالس البلدية في المرحلة القادمة، وأن تنهض بالدور المناط بها، وذلك عبر مدها بصلاحيات أكبر ومعالجة مسألة اختلال التوازن في تكوينها ذاك الذي أقعدها عن الاضطلاع بالدور المطلوب منها القيام به.