أمريكا ومواجهة الحقيقة الصينية

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٤/يناير/٢٠١٩ ٠١:٢١ ص
أمريكا ومواجهة الحقيقة الصينية

بي إتش يو

دفع الاتفاق الذي وقعه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ونظيره الصيني، شي جين بينغ، في بوينس آيرس في شهر ديسمبر الفائت العديد إلى الاعتقاد أن الحرب التجارية بين البلدين ستنتهي قريبا. وهذا التفاؤل ليس في محله، شأنه في ذلك شأن المخاوف بشأن حدوث انهيار اقتصادي عالمي بسبب قطع العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين.
وستستمر بدون شك المناوشات الثنائية المألوفة، كما رأينا بعد توقيف المديرة المالية لشركة هواوي منج وانزو في بداية شهر ديسمبر. إلا أنه رغم التنافسية الاقتصادية والخلافات السياسية بين الولايات المتحدة والصين، من المستبعد أن تكون العواقب كارثية، طالما تواجه الولايات المتحدة الأمريكية الحقيقة بثلاث طرق.
أولا، ينبغي أن يتقبل صناع السياسة الأمريكيين "الوضع الاقتصادي الجديد " للصين التي تمتلك أكبر ناتج محلي إجمالي في العالم (في ما يتعلق بتعادل القدرة الشرائية). وتماما كما كانت الولايات المتحدة الأمريكية أكبر الاقتصادات في القرن العشرين، ستحل محلها الصين في القرن الواحد والعشرين. لكن في جميع الأحوال، ستبقى أميركا، بطبيعة الحال، قوة اقتصادية كبرى.
ثانيا، يتعين على الولايات المتحدة الأمريكية الاعتراف بأنها في حاجة إلى إصلاحات اقتصادية بنيوية داخل البلاد، تماما كما فعلت الصين منذ أربعة عقود، ولو أنها تمحورت على أهداف مختلفة واتخذت مسارا مغايرا. وبدل تبرير عجزها الاقتصادي المهول باتهام دول أخرى بممارسات اقتصادية غير عادلة، ينبغي على الولايات المتحدة الأمريكية دراسة سياساتها الاقتصادية غير المستدامة، واستثمارها غير الكافي في البنية الأساسية والتعليم والتدريب.
وإذا استمر صناع السياسة الأمريكيين في التركيز على إرضاء وول ستريت والشركات الكبرى والاقتصاديين الليبراليين، فسيتضرر اقتصاد البلد وستواصل الفوارق الاجتماعية بين الأمريكيين بالاتساع. وسيؤدي هذا بدوره إلى الرفع من خطر حدوث المزيد من عدم الاستقرار الاجتماعي والتطرف والشعبوية. ولا ينبغي على النخبة الأمريكية تجاهل علامات التحذير الواضحة كما فعلت مع فقاعة الرهن العقاري التي تسببت في الأزمة المالية لعام 2008.
وأخيرا، تحتاج أمريكا إلى إدراك أكثر دقة للمستقبل الجيوسياسي للصين وأهداف هذا البلد- وهو مجال قد تؤدي التقييمات الخاطئة بشأنه إلى نزاعات نحن في غنى عنها. مثلا، رغم أن النظريات الغربية للعلاقات الدولية تتوقع أن القوة الاقتصادية للصين ستحول هذه الأخيرة حتما إلى قوة عالمية مهيمنة، فتاريخ الصين يقول شيئا آخر.
إن الصين لم تسعى أبدا إلى توسع جغرافي شرس، حتى عندما كانت لديها القوة لفعل ذلك. وينسجم هذه التوجه مع درس تقليدي مهم كان يُلَقَّن للأباطرة الصينيين، وكان اسمه مذهب مين، الذي يؤمن بأن السعي وراء الهيمنة العالمية دائما يؤدي إلى الدمار القومي ويجلب المصائب للشعوب.
كما أن الصين تضررت بشكل كبير من الإمبريالية واستعمار قوى أخرى في ماضٍ ليس ببعيد جدا، وليس لها أي رغبة في تكرار نفس التجربة. ويبدو واضحا جدا أنها توقفت عن التدخل في السياسات الداخلية للبلدان الأخرى خلال الفترة الأخيرة التي عززت فيها قدراتها الدفاعية.
ويبدو أن العديد من القادة العالميين، خاصة ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يعتقدون أن القوة العسكرية والإجبار الاستراتيجي هما أفضل الطرق لقياس التنافسية وضمان الأمن. لكن الهيمنة العسكرية والسياسية المدعومة بالقوة والتخويف لم تعد ذات أهمية أو حتى ذات صلة بالعلاقات الدولية.
إن ما تريده الصين هو نظام عالمي عادل ومنفتح يشارك فيه الجميع بتساو، ويشجع التعاون الاقتصادي. فهي تريد مواصلة النهوض برفاهية شعبها، وتُؤمن بأن السلم العالمي سيصبح مستداما بشكل أفضل عندما تحقق كل الدول نجاحا اقتصاديا. وبطبيعة الحال، نظرا لكونها إحدى الاقتصادات الرائدة، يمكن للصين لتحقيق أن تحقق منافع كبيرة من عالم يسود فيه السلم.
لكن قادة الصين يواجهون تحديات كبيرة في الحفاظ على التوسع الاقتصادي للبلد. إذ رغم أن الشركات الوطنية تنافسية في بعض الصناعات التقليدية، بالإضافة إلى تطور الإمكانيات في العديد من القطاعات الأخرى، تعتمد الصين بشكل كبير على المنتوجات المعقدة- مثلا، المنتوجات الطبية- المستوردة من الغرب. ويظهر بوضوح امتناع الولايات المتحدة الأمريكية العام الفائت، عن بيع رقاقات أشباه الموصلات لشركة الاتصالات زي تي إي بعد أن خالفت هذه الأخيرة قواعد الولايات المتحدة الأمريكية للتصدير، العجز التكنولوجي للصين. وزيادة على هذا، ينبغي أن توفر الصين ما يكفي من فرص العمل لأكبر أيدي عاملة في العالم، بما في ذلك، ثمان مليون يتخرجون من الجامعة كل عام، وفي نفس الوقت عليها التعامل مع عبء مجتمع يشيخ.
وهذا يعني بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية أن محاولة هزم الصين أو احتوائها اقتصاديا لن يحل مشاكلها الداخلية. إن أمريكا ستحقق مصالحها القومية بشكل أفضل عندما تواجه الحقيقة، وتتكيف مع صعود الصين.

رئيس مجلس معهد الاقتصاد البنيوي الجديد في جامعة بكين.