رسالة إلى الإخوة المؤيدين

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٣/فبراير/٢٠١٩ ٠١:٠٥ ص
رسالة إلى الإخوة المؤيدين

د. فيصل القاسم

في الآونة الأخيرة لم نعد قادرين على مجاراة المؤيدين للنظام في سوريا في انتقاداتهم وصرخاتهم العالية ضد الحكومة. وبدأنا شيئاً فشيئاً نستمتع بمنشورات المؤيدين وتعليقاتهم على مواقع التواصل أكثر مما نكتب عن الوضع في سوريا. لماذا نتعب أنفسنا إذا كان غالبية المؤيدين صاروا على يميننا في الانتقاد على كل الأصعدة؟ أليس من الأفضل أن تجلس وتضحك وتقول للمؤيدين الذين بدأوا يشعرون بالألم: «صحتين، أو على الأقل: صح النوم يا شباب؟»

وكما تعلمون أن الجرح وهو ساخن لا يؤلم صاحبه بقدر ما يؤلمه بعد أن يبرد. والجرح البارد مؤلم جداً. ولا أعتقد أنكم غافلون عن ذلك.

اليوم الأخوة المؤيدون، وأقول أخوة لأننا صرنا جميعاً مؤيدين ومعارضين في الهم سوريين لا فضل لبعضنا على بعض إلا بشدة الانتقاد والهجوم على الحكومة، أقول لهم: «هل قلنا شيئاً خاطئاً على مدى السنوات الفائتة؟ بالطبع لا. أنتم اليوم أقوى منا في هجاء الحكومة. وهنا أود أن أشكر المؤيد الشهير بشار برهوم الذي كان يجلد الحكومة السورية، لكنه في الوقت نفسه كان يمتدح النظام ليل نهار، وخاصة «السيد الرئيس»، على اعتبار أن الرئيس ممتاز لكن الذين حوله من حكومة ووزراء ومجلس شعب فاسدون. لا أدري كيف كنتم ترددون هذه الكذبة ، مع العلم أنكم كنتم تعرفون البئر وغطاءه. كنتم تعلمون أن رأس النظام خط أحمر، لكنكم متأكدون أنه هو الآمر الناهي في كل شيء في سوريا، حتى في أبسط الأمور. على العموم، بعض المؤيدين العتيدين في منطقة الساحل السوري صار يضرب بالمليان في الأيام الفائتة. حتى برهوم الذي كان يبتعد عن انتقاد القيادة، قال في شريطه الأخير: «لقد أصبح أملنا بالسيد الرئيس صغيراً جداً» على ضوء الأزمة المعيشية الطاحنة التي تحيط بالمؤيدين. ولعمري هذا تطور خطير جداً في خطاب المؤيدين، فنحن نعلم في سوريا منذ 1970 أن بإمكان الناس أن ينتقدوا الحكومة على الناعم جداً، لكن النقد الناعم للسيد الرئيس يذهب بالمنتقدين الى غياهب السجون وأحياناً وراء الشمس. مع ذلك تجرأ برهوم على توجيه ضربة قوية للقيادة العليا واعتبر أن الأمل فيه صار شبه معدوم. وقد تقدم برهوم خطوة أخرى عندما قال في أحد تصريحاته التي بثها على الهواء مباشرة في فيسبوك: «أنا على وشك أن أوجه اعتذاراً لما كنا نسميها بالقنوات المغرضة، لأننا اكتشفنا الآن أن كل ما كانت تقوله عن النظام وعن سوريا كان صحيحاً. ولا تتفاجؤوا إذا قدمت اعتذاراً أيضاً لفيصل القاسم، لأن الرجل كان يقول ما نقوله نحن الآن لا أكثر ولا أقل».
ولا أنسى أيضاً أنني توقفت عن الكتابة عن أحوال مدينتي السويداء منذ شهور وشهور. لكن ليس لأنني لست مهتماً بأحوالها، بل لأن كل الشبيحة في المدينة صاروا يرددون ما كنا نكتبه ونقوله عن النظام قبل سنوات، فلماذا نتعب أنفسنا وننافسهم في الحديث عن أشياء يواجهونها يومياً في لقمة عيشهم، وأحوالهم الأمنية والخطف والنهب والسلب والتشبيح وغلاء الاسعار واختفاء السلع الأولية والقمع واللصوصية والانفلات الأمني. ها هم أكثر من أربعين ألف شاب في السويداء وحدها يرفضون الالتحاق بجيش النظام. وهذه بنظر النظام خيانة عظمى.
وبالتالي أتساءل: «من الخائن في هذه الحالة في نظر النظام: الإعلامي الذي كان يضع أوجاع الناس وهمومها على الهواء، أم الذين يرفضون الخدمة في جيشه؟» هنا أستطيع أن أقول إنني أصبحت معارضاً ناعماً جداً بالمقارنة من شباب السويداء الأشاوس الذين كانوا يتهموننا بالعمالة لكنهم الآن يرفضون الالتحاق بالجيش السوري.
قد يرى البعض أن انتفاضة المؤيدين على الحكومة مدفوعة من المخابرات لغاية في نفس يعقوب للتنفيس، أو لتحذير اللاجئين من العودة إلى البلد لأنه أوضاعه تحت التحت، لكن مع ذلك، لم يكن بمقدور هؤلاء المؤيدين الذين كانوا يطبلون ويزمرون للنظام على مدى سنوات، لم يكن بإمكانهم أن يرفعوا أصواتهم بهذا الشكل الجريء والتطاول على الرؤوس الكبيرة مباشرة لولا التضحيات التي قدمها أخوتهم في المعارضة. لم تكن أصواتكم أيها المؤيدون لتلعلع عالياً لولا أن أشقاءكم اللاجئين والمهجرين والمبعدين والجرحى والشهداء والضحايا قدموا الغالي والرخيص كي تتمكنوا أنتم أيها المؤيدون لاحقاً لتعبروا عن رأيكم بحرية وبلا خوف.

اعلامي ومقدم برنامج الإتجاه المعاكس في قناة الجزيرة