عُمان 2040.. رؤية مستقبلية «1»

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٣/فبراير/٢٠١٩ ٠١:٠٤ ص
عُمان 2040.. رؤية مستقبلية «1»

مرتضى بن حسن بن علي
تابعت كما تابع الكثيرون، مؤتمر الرؤية المستقبلية الثانية «عمان 2040». ومن خلال متابعتي لما سمعته من الحاضرين في قاعة المؤتمر او ما تم تداوله في وسائط التواصل الاجتماعي، فإن الكثير من التساؤلات كانت تدور حول مدى إمكانية تحقيق اهداف ومؤشرات الرؤية، والتي يرى البعض أنها طموحة جداً وربما بعضها تتسم بالعمومية. تلك التساؤلات تعكس نوعا من الشكوك بسبب ما يعتقد البعض من عدم قدرتنا على تنفيذ ما خطط سابقا، ابتداءً من الخطة الخمسية الأولى 1976-1980 ومرورا بوثيقة «عمان 2020» ووصولا الى الخطة الخمسية التاسعة 2016 - 2020. عدم الانجاز الدقيق لما خطط له ولا سيما في مجال تنويع مصادر الدخل او التعليم، وكذلك ما يتعلق بالجانب النوعي من الأهداف الأخرى، خلق نوعا من الشعور ب «عدم الثقة» بين ما يعلن وما ينفذ على ارض الواقع. كل ذلك لابد ان يؤخذ بعين الاعتبار، بسبب الحاجة الى التعاون والتكاتف من وبين الجهات المختلفة، الأهلية منها والحكومية في مرحلة التطبيق الفعلي لأهداف الرؤية.

بعد تحديد الاهداف، لابد من وضع استراتيجيات وسياسات وخطط واضحة، كل واحدة تدفع بالأخرى من اجل الوصول الى الاهداف المعلنة، وتحديد الاهداف والاستراتيجيات والخطط والسياسات ليس عملا سهلا، كما انها ليست من اعمال الترف الفكري، بل هي عمل ذهني وفكري ونظري بداية، يتطلب بذل جهود كبيرة من جهات عديدة، والتي تمتلك خبرات مختلفة لعدة جوانب من المشكلة التي يراد التوصل الى حلول لها، اضافة الى ضرورة توفير جميع الامكانات البشرية والمادية والتشريعية اللازمة.

الهدف يستهدف الوصول الى غايات ونتائج محددة ومطلوبة في وقت محدد، وهو سوف يبقى مجرد حلم إذا لم نتمكن من تحويله الى واقع عملي، وهو ينقسم إلى قسمين: الكمي والنوعي، وتوضع لكلاهما مقاييس للقياس محددة وواضحة، وبعد ذلك توضع الاستراتيجيات والسياسات والخطط.

الاستراتيجية هي التوجه العام المصمم بعمل المؤسسة للوصول الى الاهداف، أي فن التخطيط وادارة الموارد المتاحة بأقصى درجات الفعالية للوصول الى النتائج المتوخاة، اما السياسات فهي مجموعة من المبادئ والتوجهات العملية التي تحكم خط سير المؤسسة وادائها متضمنة اليات اتخاذ القرارات، اما الخطط فهي الاجراءات التنفيذية المحددة او مجموع العمليات المنظمة التي يجب اتخاذها في تسلسل واضح، اي المراحل التفصيلية التي توضح اسلوب إتمام الاعمال وكيفية تنفيذها ومسؤولية الجهات المختلفة لتنفيذها والفترة الزمنية اللازمة لكل عمل.

ادارة اية سياسة تنموية لتحقيق الرؤى المستقبلية تتطلب أولا ان تكون هناك اهداف عامة مرغوب فيها ومطلوب تحقيقها، وتكون هذه الرغبة وهذا الطلب موضع اقتناع واجماع من جميع وحدات السلطة التنفيذية وأغلبية وطنية، مقتنعة بها، او يجري اقناعها، لكي تصبح كل الأطراف على استعداد للعمل من اجلها والبذل في سبيلها وتحمل الاثار الجانبية المصاحبة.
وثانيا ان يكون الهدف واضحا ومحددا، لأنه ليس أخطر في السياسة من الرؤى الغائمة والحركات التي لا ترى لنفسها مقصدا واضحا تركز عليه بصرها باستمرار.
وثالثا ان يكون لهذا الهدف امكانية فعلية او مضمونة او على الاقل محتملة بنسبة عالية تسمح بتحقيقه، فليس هناك فائدة من اهداف مهما كانت واضحة ومحددة إذا كانت الوسائل والادوات الضرورية لنيلها ليست موجودة وليست محتملة او غارقة في الشكليات والعموميات.
ورابعا ان تتكفل الحياة العامة بأن تعطي لإدارتها أصلح وأنضج العناصر المهيئة لتحمل المسؤولية، وطنية كانت او دولية مشهودة، بما يوفر درجة معقولة من الكفاءة يحقق للهدف حدا مأمونا ومضمونا من فرص النجاح.
وخامسا من الضروري ان يتم التعبير عن اي هدف من أهداف الرؤية، بمقادير كمية ونوعية قابلة للمتابعة والتحقق من قبل جهات رقابية كفؤة ومستقلة ويكون من حقها الرقابة على ادارة العملية التنفيذية في مجملها، ومراقبة اية صعوبات او انحرافات قد تحصل.

اضافة الى كل ذلك فان إيقاع الزمن الذي نعيشه داع يسبق غيره من الدواعي التي تفرض الحذر في اي تناول لمدة طويلة، كان هذا صعبا في كل الأزمنة، وهو بالتأكيد أشد صعوبة في هذا القرن الذي على وشك الدخول الى عقده الثالث، حيث السباق على أشده في العلوم والتكنولوجيا وتطبيقاتها، وفي الأفكار وانتشارها، وفي العوالم واتصالها، وفي العادات والتقاليد وتبدلها، وفي الاحتياجات وتنوعها وفِي المهارات المطلوبة وتغيرها، والاجدى ان يكون النظر الى خمسة سنوات او عقد على الأكثر لأن أكثر من ذلك صعب.

وإذا نظرنا الى مجال واحد فقط وهو مجال المواصلات والاتصالات والتكنولوجيا وما طرأ عليه من معدلات التراكم في السنوات الاخيرة، لرأينا صورة باهرة لحركة التغيير، فإذا وضعنا معدلات التراكم وتأثيراتها المتغيرة في كل النواحي، لأدركنا صعوبة استطلاع المستقبل بعد حدود معينة بقدر كاف من الثقة وشبه اليقين. والاهداف والاستراتيجيات والسياسات والخطط تكون في حوار مستمر مع الاحداث والاطراف والزمن.