فنزويلا وأسطورة عدم التدخل

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٧/فبراير/٢٠١٩ ٠٥:٤٧ ص
فنزويلا وأسطورة عدم التدخل

أندريس فيلاسكو

في العاشر من يناير، انتهت ولاية نيكولاس مادورو رئيسا لفنزويلا. وبموجب دستور فنزويلا، أعلن خوان جويدو، رئيس الجمعية الوطنية المنتخبة ديمقراطيا، نفسه رئيسا مؤقتا للبلاد. وعلى الفور، اعترفت به الولايات المتحدة، وكندا، وقسم كبير من أميركا الجنوبية زعيما شرعيا لفنزويلا. كما فعلت الشيء ذاته عِدة دول في الاتحاد الأوروبي.

ولكن لم تعترف به المكسيك، التي ادّعى رئيسها أندريس مانويل لوبيز أوبرادور أنه سيلتزم بمبدأ عدم التدخل. وترفض الاعتراف بجويدو أيضا أوروجواي، التي أعلنت وزارة خارجيتها أن مشاكل فنزويلا يجب أن يحلها أهل فنزويلا بطريقة سلمية. وقد تصادف أن كلا البلدين أعلنا أنهما سيستضيفان مؤتمرا دوليا الهدف منه تحويلهما إلى وسيطين في المواجهة الفنزويلية.

هاتان هما الحجتان الأكثر تكرارا من قِبَل أنصار الدكتاتورية الفنزويلية. وكل منهما تبدو معقولة في مستهل الأمر، لكنها تتحول بعد لحظة من التأمل إلى حجة هازئة أو بلا معنى، أو الأمرين معا.
لنبدأ هنا بالزعم الثاني. ينبغي لمواطني فنزويلا أن يحلوا أزمتهم بأنفسهم بطبيعة الحال. لكن الأمر لا يخلو من صعوبة صغيرة واحدة: وهي أن مادورو لن يسمح لهم بذلك.
في الأيام التي انقضت منذ أدى جويدو اليمن الدستورية رئيسا للبلاد، قُتِل ما لا يقل عن 40 شخصا واعتُقِل 800 شخص على أيدي قوات الأمن. منذ الانتخابات العامة في عام 2015، عندما فازت المعارضة بالأغلبية في الجمعية الوطنية، عمل مادورو على تجريد هذه الهيئة من كل السلطات تقريبا، في حين عمل على تعبئة المحكمة العليا والمجلس الانتخابي الوطني برفاقه المقربين. وأصبح أغلب قادة المعارضة إما في السجن أو في المنفى، كما اضطر ما قد يصل إلى أربعة ملايين مواطن فنزويلي (واحد من كل سبعة مواطنين) إلى مغادرة البلاد. وقد أبرزت منظمة هيومان رايتس واتش وغيرها من المنظمات غير الحكومية المحترمة على نحو متكرر الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان في فنزويلا.
الواقع أن تكرار التصريح بأن مواطني فنزويلا هم من يجب عليهم أن يحلوا مشاكلهم، ثم عدم القيام بأي شيء، يعني ضمان عدم حدوث أي شيء- باستثناء استمرار انتهاك حقوق الإنسان في فنزويلا بطبيعة الحال. لقد أصبح الشلل نمطا معتادا. ففي السنوات الأخيرة، لم تسفر محاولات الوساطة المترددة من قِبَل الفاتيكان، وإسبانيا، وجهات أخرى إلا عن الوصول إلى لا مكان، لأن اللامكان هو حيث يقف مادورو غير الراغب في التفاوض على التخلي عن سلطاته.
لننترك الآن الأخبار السيئة. الخبر السار هو أن قسما كبيرا من العالَم بدأ يتحرك بفِعل تحرك جويدو الجريء. ولا ينبغ لنا أن نتراجع عن هذا التقدم بفِعل مناشدات زائفة تنادي بعدم التدخل.
يبدو أن القادة المستبدين يعيدون اكتشاف هذا المبدأ المزعوم كلما كان ذلك مناسبا لهم. فكان هذا صحيحا في حالة أجوستو بينوشيه في شيلي كما كان في حالة فيدل كاسترو في كوبا. ولكن في حالتنا هذه، يصطدم شعار عدم التدخل مع حقيقة مفادها أن قوى أجنبية تتدخل بالفعل في فنزويلا. فيساعد ضباط الاستخبارات الكوبية في إدارة أجهزة مادورو القمعية، في حين قدمت الصين وروسيا قروضا بلغت العشرات من البلايين من الدولارات بموجب أساليب محاسبية غامضة حتى أن أحدا لا يعلم عن يقين إلى أين ذهبت الأموال.
الواقع أن الحجة ضد البلاغة الفارغة حول عدم التدخل ليست عملية فحسب. ذلك أن الوقوف جانبا والدعوة إلى الحوار في حين يضع أحد البلطجية سكينا في عنق جدة مسنة ويسلبها حقيبة يدها يمكن وصفه عن حق بأنه عدم تدخل، لكنه لا يدل على شجاعة ولا يعبر عن موقف أخلاقي.
إن واجبنا الأخلاقي يملي علينا أن ندافع عن حياة الإنسان وكرامته في مواجهة الفظائع التي ترتكب في حقه في أي مكان. ولهذا السبب، تعترف أغلب دول العالم (ولكن ليس الولايات المتحدة، ولا روسيا، ولا الصين) باختصاص المحكمة الجنائية الدولية. فلا توجد أي حجة تدعم عدم التدخل عندما يرتكب حاكم مستبد أو أمير حرب جرائم ضد الإنسانية.
ربما تكون الحجة لصالح الدفاع فوق الوطني عن الحقوق السياسية والمدنية الأساسية أقل بديهية، لكنها حجة قوية رغم ذلك. إن كون أي دولة عضوا محترما في المجتمع الدولي ينطوي على الالتزام بعدم سجن الخصوم السياسيين أو سرقة الانتخابات. والواقع أن الميثاق الديمقراطي بين الأميركيتين الصادر عن منظمة الدول الأميركية يفرض مثل هذه الالتزامات على الموقعين عليه وهو ينطوي على فرض عقوبات- بما في ذلك الطرد من منظمة الدول الأميركية- على المخالفين بشكل متكرر. والواقع أن الحقيقة المحزنة التي مفادها أن بنود الميثاق لا تنفذ دائما (حيث يتطلب القيام بذلك تصويت أغلبية الأعضاء المطلقة) لا تجعل وجودها أقل ضرورة على المستوى الأخلاقي.
على الرغم من افتقار مادورو إلى أي حجة قانونية معقولة تدعم مطالبته بمنصب الرئاسة، فإنه يصر على التشبث بالسلطة. والسؤال هنا ليس ما إذا كان من الواجب على ديمقراطيات العالَم أن تتدخل، بل كيف ينبغي لها أن تتدخل. والاختبار الوحيد الذي يتوجب على القادة الأجانب أن يحرصوا على تطبيقه يأتي مما أطلق عليه ماكس ويبر أخلاقيات المسؤولية: ما العواقب التي قد تترتب على تصرفاتي؟ وهل تساعد في جعل الوضع أفضل؟
من الواضح أن التدخلات المضللة من الممكن أن تزيد الأوضاع سوءا على سوء. على سبيل المثال، ربما يتسبب الخطاب العدواني من قِبَل الرئيس الأميركي دونالد ترامب في إشعال شرارة المشاعر القومية في فنزويلا. لكن التدخل الذكي من جانب ديمقراطيات العالَم بدأ بالفعل يخلف تأثيرات مفيدة. وربما يصبح الانتقال السياسي حتميا بفضل الضغوط السياسية والمالية المتواصلة التي تزيد من تكاليف إقدام القوات المسلحة في فنزويلا على دعم مادورو- جنبا إلى جنب مع عرض العفو حسن التوقيت.
في السنوات الأخيرة، برر المجتمع الدولي سلبيته بالادعاء بأن المعارضة كانت منقسمة وأن أي تدخل أجنبي لم يكن ليساعد بشكل معقول في عزل مادورو. لكن هذا الوقت ولى ومضى. وبعد عشرين سنة دمرا خلالها مؤسسات فنزويلا الديمقراطية وخربا اقتصادها، فإن الكابوس الذي أطلقه الراحل هوجو شافيز ثم زاده خلفه مادورو فظاعة، ربما يقترب الآن من نهايته أخيرا.
كما كانت الحال مرات عديدة في التاريخ، سوف يحاول المدافعون عن الدكتاتورية خنق التغيير من خلال إطلاق مطالبات متزايدة الشدة بعدم التدخل. ولا ينبغي للعالَم أن يعيرهم أي اهتمام.

وزير المالية ومرشح سابق للرئاسة في شيلي، وأستاذ الممارسة المهنية في مجال التنمية الدولية في جامعة كولومبيا وقام بالتدريس في جامعة هارفارد وجامعة نيويورك