الوعظ والإرشاد لن يتأتى بالإكراه

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١١/فبراير/٢٠١٩ ٠٤:١٥ ص
الوعظ والإرشاد لن يتأتى بالإكراه

علي بن راشد المطاعني
الوعظ والإرشاد له اساليبه الحاثة على توضيح مرامي ومقاصد الدين الإسلامي الحنيف والسنة النبوية السمحة والجوانب الفقهية وعكسها على واقعنا المعاش وبطرق متجددة تأخذ بعين الاعتبار التطور الحديث وما قدمته المدنية الحديثة من مخرجات ومن خلال روائع الكلم وبشاشة الوجه وسلاسة الطرح وخفة الروح.
هذه المسلَمات والأبجديات في هذا الجانب الحيوي يبدو أنها لا تزال بعيدة ونائية عن إدراك بعض الدعاة والوعاظ، فوسيلتهم الوحيدة التي لا يملكون غيرها هي إرغام الناس جبرا على الاستماع إليهم مستخدمين وسائل الترهيب من بعد النأي الكلي عن وسائل الترغيب بشتى صورها وألوانها وأشكالها؛ فالشباب لا يمكن إجبارهم على تجرع عصير لا يستسيغون طعمه ولا تعجبهم طريقة إعداده وتقديمه الخالية من كل (إتكيت)، لذلك يهربون منه ومن الطاهي الذي يزعم بأنه الأفضل في إعداد هذا النوع من العصائر مر المذاق.

فبعض الوعاظ يهجمون بعد الصلوات في المساجد ليرغموا الناس على الانتظار لسماع دروس في الويل والثبور وعظائم الأمور، وبما ان الأمر كذلك فإن الهروب هو الأولى بالاتباع، إذ لا يمكن ببساطة تكبيل الناس بالحبال ليستمعوا، وحتى لو كبلناهم فلن نستطيع الزعم بأن آذانهم مفتوحة لتقبل الكلمات القاسية، سيغلقونها بغراء الرفض، وهكذا سيجد الواعظ نفسه يتحدث لنفسه والجلوس ينظرون إليه ولكن لا يبصرون، فما الجدوى إذن؟
بل ان بعض الوعاظ يتوجهون ويتتبعون الطلاب والتلاميذ في المراحل السنية المختلفة لحضور الجلسات رغما عنهم، رغم انشغالاتهم بالجوانب الدراسية وعوالمهم الخاصة واهتماماتهم التي لا بد من مراعاتها إذا نحن رغبنا في التحدث إليهم، والدخول إلى تلك العوالم لن يتاح من خلال ذات الأبواب التي يدلف منها بعض الوعاظ، فلا بد لهم من دراسة تلك العوالم ليقفوا على أسرارها وليتعرفوا على ألوانها وهي بالطبع ليست ألوانا تقليدية كالتي نعرفها، إنها متداخلة ومتشابكة ومتعاكسة، ومن هناك فقط يمكن للواعظ أن ينطلق في دروب النجاح في مهمته الإسلامية والاجتماعية والتي نرغب في أن تصل للشباب كما ينبغي. عليهم أن يدركوا بأن التقنيات الحديثة تقدم جرعات من الإرشاد أو من الضلال بطرق مبتكرة وجاذبة، وهنا يكمن التحدي، فإن هم فشلوا في مجاراة هذه التقنيات فما من شك أن جرعات الضلال التكنولوجي قد تغوي شبابنا، ثم إذا ما بحثنا عنهم لنستعين بهم في بناء الوطن لن نجدهم حتما، فمَن المُلام هنا؟ سؤال صعب وطرح أليم موجه للوعاظ الغلاظ على وجه التحديد، إذ ليسوا كلهم بهذا الوصف.
بل بعض الوعاظ وصل بهم الحال أو تدحرج بهم الحال لإقامة الولائم في المنازل لجذب الطلاب وتشجيعهم على الانخراط في دروسهم النارية، وفي الواقع كل ذلك لا يفيد ولا يجدي لا فتيلا ولا نفعا.
إذن.. الكرة الآن في ملعب الجهات المختصة لتدارس الأمر والخروج بأسرع وقت ممكن بتصور متكامل عن كيفية إعادة تأهيل وصياغة الوعاظ وإدخالهم للعوالم التكنولوجية للاستفادة منها وتسخيرها في مهمتهم الجليلة وذلك من بعد استخدام أمر «Format» الرهيب لاجتثاث كل ما علق بعقولهم من قسوة الماضي.
نأمل أن نطور أساليب الوعظ والإرشاد بشكل يتواكب مع العصر ويتناسب مع طبيعة الحياة ووتيرتها المتسارعة، وأن ننحاز لرغبة الناس في تلقي جرعات من الثقافة الإسلامية والاجتماعية متسقة مع العصر الحديث والتي تركز على القيم والسلوكيات والتربية والاخلاقيات اكثر من الجوانب الفقهية وباساليب اكثر حداثة وذات جاذبية وقبل كل ذلك باستخدام الادوات الإلكترونية ووسائطها المتعددة.