المقاتلون الفرنسيون

الحدث الثلاثاء ١٢/فبراير/٢٠١٩ ٠٣:٥٢ ص
المقاتلون الفرنسيون

بغداد-أ ف ب

لتجنب مسألة إعادتهم إلى موطنهم التي تثير جدلا كبيرا واستحالة محاكمتهم في سوريا، تعرب عائلات المقاتلين الأجانب ومدافعون عن حقوق الإنسان عن قلق كبير إزاء إمكانية أن تجري محاكمة هؤلاء في العراق. وسبق للعراق الذي حاكم مئات الأجانب من مقاتلي داعش، أن استقبل مقاتلين اعتقلوا على الأراضي السورية.

ففي أغسطس الفائت، أكد الفرنسي لحسن قبوج (58 عاما)، للقضاة العراقيين أنه اعتقل من قبل الجيش السوري الحر، قبل أن ينقله جنود أميركيون إلى العراق.
وفي حال تكرر هذا السيناريو على أكثر من ستين فرنسيا بالغا من سجناء الأكراد في سوريا، وفقا لمصادر فرنسية، فإن هذا الأمر «سيكون مأساويا»، بحسب ما تقول فيرونيك روي العضو في «مجموعة العائلات المتحدة» التي تضم 70 عائلة فرنسية التحق قريب لها بمناطق يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية.

خطر التعذيب

تؤكد بلقيس ويلي من هيومن رايتس ووتش لفرانس برس أنه بمجرد وصولهم إلى العراق «هناك خطر أن يتعرضوا للتعذيب وأن يخضعوا لمحاكمات غير عادلة». وتضيف أن القوات الأميركية سبق أن قامت «في خمس حالات على الأقل بتسليم معتقلين أجانب إلى قوات مكافحة الإرهاب العراقية».
وفي العراق، قوات مكافحة الإرهاب هي المسؤولة عن عمليات التحقيق والاستجواب قبل المحاكمة، لتستقي ما أمكن من معلومات عن تنظيم داعش الذي كان يحتل ما يقارب ثلث مساحة البلاد.
فإلى جانب قبوج، نقل الأميركيون من المناطق الكردية السورية إلى العراق أستراليا ولبنانيا تمت محاكمته وحكم عليه بالإعدام، بحسب المنظمة الحقوقية.
وأمام المحاكم في بلدانهم، يمكن لمحامي المقاتلين أن يزعموا أن موكليهم اختطفوا في سوريا.
وبالتالي، فإن محاكمتهم في العراق تضمن للبلدان الأصلية عدم إثارة هذه النقطة، بحسب ما يؤكد مراقبون، مستندين إلى حالات قبوج وآخرين.
وتشير مصادر عدة إلى أن إجراء محاكمات في بغداد، ستضمن لدول المقاتلين المفترضين الأصلية، أحكاما أشد بكثير من المحاكم الغربية.
وبحسب مصادر قضائية عراقية، حكمت محاكم بغداد على أكثر من 300 من المقاتلين (بينهم مئة أجنبي) بالإعدام أو السجن مدى الحياة، بتهمة الانتماء إلى داعش .
ومسألة محاكمة هؤلاء في سوريا ليست بالسهلة، خصوصا على الصعيد القانوني، إذ أن أكراد سوريا ليسوا دولة والعلاقات الدبلوماسية بين باريس ودمشق مجمدة.
وتدفع الولايات المتحدة التي قررت الانسحاب من سوريا، حاليا البلدان الأصلية باتجاه إعادة مواطنيهم السجناء لدى حلفائهم الأكراد.
أما باريس التي شهدت في السنوات الأخيرة هجمات تم التخطيط لها لها أحيانا من سوريا، فكانت تعارض حتى الماضي القريب عودتهم.

اختصاص المحاكم العراقية
لكن مع قرار الأميركيين الرحيل عن سوريا، تقول باريس الآن إنها تدرس «كل الخيارات»، بما في ذلك إعادتهم إلى الوطن. وأعلنت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي من بغداد الجمعة أنه يجب «تجنب هروب عدد من المقاتلين».

لكن بعض أقارب ضحايا اعتداءات متطرفة في فرنسا يعتبرون أن إعادة هؤلاء إلى البلاد أمر لا يمكن تصوّره.
فقد ناشد والد أحد الضحايا السبعة الذين قتلهم محمد مراح في جنوب غرب فرنسا في العام 2012 الرئيس إيمانويل ماكرون منع المقاتلين الفرنسيين المحتجزين في سوريا من العودة.
وقال ألبير شنوف-ميير في رسالة مفتوحة اطّلعت عليها وكالة فرانس برس «سيدي الرئيس، ستعملون خلال الأسابيع المقبلة على إعادة 130 مقاتلا فرنسياً قسم منهم أيديهم ملطّخة بدماء أبنائنا. أنا أرفض بكل ما أوتيت من قوة هذا القرار المجرم».
وفيما لا يزال الصمت عنوان السلطات السياسية والقضائية العراقية، يؤكد الخبير في الحركات المتطرفة هشام الهاشمي لفرانس برس أن كل شيء تم التفاوض عليه «على أعلى مستوى من السرية»، لافتا إلى اتفاق مرض للطرفين.
فمن جهة، لا يتعين على البلدان الأصلية التعامل مع عمليات عودة صعبة أو إجراء محاكمات علنية تثير ضجة لدى الرأي العام.
من جهة أخرى، ستزود تلك البلاد العراق «بأسلحة متطورة ومعدات عسكرية ثقيلة»، بحسب الهاشمي، المطلع على تفاصيل السياسية والأمنية العراقية.
ولكن «كيف يمكن تبرير اختصاص المحاكم العراقية؟» لمحاكمة أشخاص «صادرة بحقهم مذكرات اعتقال في فرنسا» على خلفية أفعال ارتكبت على الأراضي السورية، يتساءل المحامي فنسان برنغارث، المسؤول عن ملفات عدد من الفرنسيين الموجودين في سوريا، وبينهم مارغو دوبروي.

تعاقد

يسمح قانون مكافحة الإرهاب العراقي بتوجيه الاتهام الى أشخاص غير متورطين بأعمال عنف، لكن يشتبه في تقديمهم مساعدة للمقاتلين . وينص على عقوبة الإعدام بتهمة الانتماء الى الجماعات المتطرفة حتى لغير المشاركين في أعمال قتالية. وفي هذا الإطار، يقول الهاشمي إن القضاة العراقيين يمكنهم الاستناد إلى تلك النقطة، إذ إن «العراق يحاكم كل من مر بأراضيه، حتى ولم يقاتل في البلاد بل كانت معبرا له للدخول إلى سوريا».
ويمكن لذلك أن يثير قلق مئات الأجانب، إذ إن دولة «الخلافة» كانت يوما تمتد على مساحات شاسعة من العراق إلى سوريا، بحسب قوله.
حكم على العديد من الأجانب المدانين بالإعدام في العراق. لكن الفرنسيين الثلاثة قبوج وميلينا بوغدير (28 عاما) وجميلة بوطوطعو (29 عاما)، حكم عليهم بالسجن المؤبد، وهو ما يعادل 20 عاما في العراق.
لكن روي تعتبر أنه «لإلقاء الضوء على هذا النزاع، يجب أن تتم العدالة في فرنسا أيضا، ولا يتعين على فرنسا التعاقد» مع دولة أخرى.