فكر الزعيم الصيني

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٢/فبراير/٢٠١٩ ٠٣:٥٥ ص
فكر الزعيم الصيني

ستيف تسانج

في أكتوبر من عام 2017، وفي إطار المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني، كرس الحزب في دستوره عقيدة سياسية جديدة: «فِكر شي جين بينج في اشتراكية ذات خصائص صينية في عصر جديد». في وقت حيث أصبحت الصين السريعة التحديث قوة عالمية رائدة، من المغري أن نرفض هذه العقيدة على أنها «حديث حزبي» عتيق من عصر مضى. وإذا استسلمنا لمثل هذا الإغراء فلا نلومن إلا أنفسنا.

بعد خمسة أشهر من إقرار التعديل الدستوري، ألغى مؤتمر الشعب الوطني الحد الأقصى لمدد الولاية الرئاسية، وهذا يعني أنه في حالة عدم وقوع زلزال سياسي فإن شي جين بينج- الذي يظل في سن 65 عاما موفور الصحة والقوة- ربما يظل رئيسا لعشرين سنة أخرى. وعلى هذا فإن عقيدته المسماة على اسمه ستشكل تنمية الصين ومشاركتها في العالَم لعقود مقبلة، وربما لفترة أطول.

من ناحية، ينطوي إدراج اسم شي جين بينج وفِكره في دستور الحزب الشيوعي الصين على منحه المكانة المتميزة التي كانت للأب المؤسس لجمهورية الصين الشعبية ماو تسي تونج، فضلا عن مكانة مهندس تحديث الصين دنج شياو بنج- وهما الزعيمان الوحيدان اللذان يرد ذكرهما في هذه الوثيقة. وقد دفع هذا، إلى جانب إلغاء حدود المدد الرئاسية، عددا كبيرا من المراقبين إلى الزعم بأن شي جين بينج هو الزعيم الصيني الأقوى منذ ماو.
ولكن حتى لو كان هذا صحيحا فإنه لا يعني أن شي يحاول استعادة شمولية ماو تسي تونج. ففي حين يتحلى شي بنظرة أكثر إيجابية لماضي الصين الماوي مقارنة بأي زعيم آخر منذ دينج، فإنه ليس من أتباع ماو.
بل يشبه نهج شي في التعامل مع أمور الحكم نهج أول رئيس للصين في عهد ماو، وهو ليو شاوتشي، اللينيني المخلص الذي عمل على تكييف أفكار كونفوشيوس على نحو انتقائي لبناء دولة الحزب التي يغلب عليها طابع صيني. من منظور ليو، كان الحزب محوريا؛ وفي رأي ماو كان الحزب على النقيض من ذلك يمكن الاستغناء عنه تماما، كما أظهرت الثورة الثقافية- التي كان ليو ذاته ضحية لها. وعلى العكس من ماو، الذي كان يعتبر الفوضى مبهجة، فإن شي يشاطر ليو توقه إلى ممارسة السيطرة من خلال الحزب الشيوعي الصيني، الذي يتوقع أن يتولى زمام المبادرة- ويطبق فِكر شي جين بينج- في مختلف مناحي الحياة السياسية، والعسكرية، والمدنية، والأكاديمية.
والتناقض مع دنج أشد حدة ووضوحا. إذ كانت إصلاحات دنج تتسم بالحس العملي البرجماتي والميل إلى التجريب، وكانت تهدف إلى تحديد النهج الأكثر فعالية في التعامل مع التحديث. في ثمانينيات القرن العشرين، فَكَّر دنج لفترة وجيزة في الاحتمال المتطرف المتمثل في فصل الحزب الشيوعي الصيني عن الدولة، غير أنه تخلى عن الفكرة بعد الاحتجاجات المنادية بالديمقراطية في ميدان السلام السماوي في عام 1989.
ومع ذلك، استمر دنج وخليفتاه- جيانج تسه مين وهو جينتاو- في فتح الصين على الغرب، وظل على استعداد للتسامح مع نشر بعض الأفكار الليبرالية. بيد أن هذه ليست الحال مع شي، الذي تلوث تعهده المتكرر بتعميق الإصلاح عندما أعاد تعريف ما يجب أن ينطوي عليه ذلك من نتائج.
لا يرى شي مكانا للتجريب السياسي أو القيم الليبرالية في الصين، وهو يعتبر الديمقراطية، والمجتمع المدني، وحقوق الإنسان الشاملة لعنة. وعلى هذا فإن تعميق الإصلاح يعني توطيد السيطرة على الحزب الشيوعي الصيني من خلال «حملة مكافحة الفساد»، وعلى الشعب الصيني، بما في ذلك من خلال استخدام التكنولوجيات المتقدمة التي باتت ممكنة بفضل الذكاء الاصطناعي. ويأمل شي أن تعمل مثل هذه السلطوية الرقمية على منع الأفكار الليبرالية أو الديمقراطية من مد جذورها والانتشار، حتى مع بقاء الصين على ارتباطها ببقية العالَم. وربما يتمتع المواطنون الصينيون بالحرية كمستهلكين ومستثمرين، ولكن ليس كمشاركين في المجتمع المدني أو الحوار المدني.
من الواضح أن إدارة هذا التوتر بين الانفتاح الدولي وسيطرة الدولة يشكل عاملا شديد الأهمية في نظر شي لتحقيق هدف أساسي أخر من أهداف عقيدته: ألا وهو «جعل الصين عظيمة مرة أخرى». من ناحية، يستلزم هذا غرس حس قومي يتمحور حول الحزب، حتى يتبنى المواطنون أولوية الحزب الشيوعي الصيني وأسبقية شي ذاته. وربما يجد المتباطئون في تلبية هذا التوقع أنفسهم تحت المراقبة، بل وربما يرسلون حتى إلى ما يسمى معسكرات إعادة التثقيف، كتلك الموجودة في شينجيانج.
من ناحية أخرى، يعني جعل الصين عظيمة مرة أخرى استعراض القوة والزعامة على المسرح العالمي. فبعد عقود من الالتزام بأمر دنج شياو بنج بأن تحرص الصين على «إخفاء قوتها وانتظار اللحظة المناسبة»، يعتقد شي أن لحظة الصين حانت.
تتلخص إحدى الطرق التي يأمل شي أن تعمل على تعزيز مكانة الصين العالمية في ضمان بقائها على حدود التكنولوجيا المتطورة. ولتحقيق هذه الغاية، تعرض الدولة دعمها الكامل للشركات الوطنية الكبرى في القطاعات المتطورة، كما تنص استراتيجية الصين 2025 التي تنتهجها الحكومة، والتي يشجبها المنافسون، وخاصة الولايات المتحدة، باعتبارها غير عادلة. وليس من قبيل المصادفة أن الولايات المتحدة كانت تستهدف شركة هواوي، التي تلقت قدرا كبيرا من الدعم الحكومي، مثلها كمثل أي شركة في أي دولة في العصر الحديث.
ويرى شي في القرار الذي اتخذته كندا بالاستجابة لطلب أميركا باحتجاز الرئيسة المالية لشركة هواوي، مينج وانزو، بتهمة الاحتيال المزعوم وانتهاك العقوبات الأميركية ضد إيران فشلا في احترام مكانة الصين ومصالحها، وهو بالتالي تصرف يستحق الرد. وسرعان ما احتجزت الصين كنديين على أساس مزاعم «الانخراط في أنشطة تعرض الأمن الوطني الصيني للخطر»، وأعادت محاكمة مواطن كندي أدين بتهريب المخدرات، فأصدرت قرارا بإعدامه.
الهدف من فِكر شي جين بينج ليس شن حرب باردة ضد الغرب، أو تصدير النموذج السياسي الصيني. بل يريد شي دعم سلطة دولة الحزب- ونموذجه السلطوي الخاص- داخل الصين، بما في ذلك من خلال ضمان عدم تعرض الصين للأفكار الليبرالية الديمقراطية. الواقع أن فهم هذه الحقيقة أمر شديد الأهمية لتمكين العالَم من الانخراط بفعالية مع الصين المتزايدة القوة.

مدير معهد SOAS الصين التابع لكلية الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن.