أعراض الخوف من الديون

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٣/فبراير/٢٠١٩ ٠٥:٠٥ ص
أعراض الخوف من الديون

جيه. برادفورد ديلونج

خلال العشر سنوات الأخيرة، عاش السياسيون في الشمال العالمي حالة من الجنون بسبب الخوف المبالغ فيه من ديون الحكومة وعجزها. لكن هناك مؤشران يدلان على أن هذا الأمر سيتغير في الأخير.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، قرأت عمودا بشأن البريكسيت لكين روجوف البارز وذو الاطلاع الواسع، كتبه في صحيفة سانداي تايمز التي تصدر في لندن. وربما أكثر ما اشتهر به روجوف هي تصريحاته التي أدلى بها في وقت فائت من هذا الشهر، والتي يقول فيها أن الحكومات لا ينبغي أن تتجاوز نسبة 90% من الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، لكن جيف قال إنه «لم يتضح له أبدا لماذا على المملكة المتحدة القلق بشأن تقليص عبء الناتج المحلي الإجمالي لديونها (حاليا 84 %)، نظرا للنمو المتواضع، وارتفاع مستوى عدم المساواة وتراجع معدلات الفائدة».

وأتى هذا بعد مقال للفاينانشل تايمز كتبه الصحفي براندن غريلي في أواخر الشهر الفائت، وقال فيه أنه «تلقى رسالة إلكترونية تعبر عن الخوف» من لجنة الميزانية الفدرالية المسؤولة، وهي مؤسسة قدمت في أحد الأيام جائزة للمسؤولية المالية لبول ريان، الذي كان آنذاك رئيس لجنة ميزانية مجلس النواب الأمريكي. وفي رسالتها، حذرت لجنة الميزانية الفيدرالية المسؤولة من «سوء تأويل» خطاب ألقاه أستاذي سابقا أوليفيي بلانتشارد أمام الجمعية الاقتصادية الأمريكية، والذي قال فيه بشكل أساسي أن الديون العمومية أداة ينبغي على الحكومات استخدامها عند الضرورة.
فكلما توقف القطاع الخاص عن إنفاق ما يكفي ليُبقِى مستوى الباحثين عن عمل منخفضا وتسهل عملية البحث عن عمل، اضطر القطاع العام لسد الفجوة في إجمالي الطلب.
والطريقة العادية للقيام بهذا هي أن يشتري البنك المركزي سندات مالية، بما في ذلك، من لديه فائضا في المال لتعزيز نفقاتهم. لكن عندما تقترب معدلات الفائدة من المستوى الأدنى، تتراجع رغبة القطاع الخاص في إنفاق المزيد من الأموال وليس في الحفاظ عليها. وفي هذه الحالة، ينبغي دعم المحفز النقدي بالمحفز المالي: بمعنى آخر، أن تشتري الحكومة أشياء بشكل مباشر.
وقد يؤدي هذا إلى مخاوف من ارتفاع «مبالغ فيه» في الديون، وسيصبح بالتالي، إصدار المزيد من الديون لتمويل المشتريات الإضافية للحكومة صفقة سيئة، حتى ولو طان ذلك سينهض بفرص الشغل.لكن الصفقة ستكون سيئة فقط إذا اضطرت الحكومة للاقتراض بمعدل فائدة مرتفع، كما كان عليه الأمر في بداية التسعينيات من القرن الفائت. وستكون الصفقة خطيرة فقط إلى درجة أن الحكومة قد تضطر إلى تأجيل دفع ديونها بمعدل فائدة مرتفع. وبالتالي، سيرسل سوق الديون إشارة عندما يصبح ضروريا الحد من مستوى العجز، و تقليص نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي. وقد تبدو قاعدة قياس تكلفة الديون بمعدل الفائدة المحددة بسيطة وواضحة.
وبدأت تظهر هذه الأزمة بشكل كامل في يناير، 2010. في مساء ذلك اليوم، في خطاب له بشان حالة الاتحاد، أعلن باراك أوباما الذي كان رئيسا آنذاك أنه حان الوقت أن تتحكم الحكومة في نفقاتها، وأنه سيجمد نفقات الحكومة، وأنه سيستعمل حق الفيتو في القوانين التي وافق عليها البرلمان ذي الأغلبية الديمقراطية آنذاك والذي تعدى الخطوط الحمراء التي وضعها. وفي ذلك الوقت، كان أول رد لي هو التهديد بالفيتو ضد كل من الملازمين: المتحدث باسم البرلمان نانسي بيلوسي وزعيم مجلس الشيوخ هاري ريد، كانت طريقة فريدة من نوعها لبناء حسن الصلة بين الأحزاب، وطريقة لم يسمع عنها من قبل للحفاظ على تحالف حكامه يقوم بوظيفته.
ويقول من كان يعمل في السياسة الاقتصادية لأوباما سابقا أن أوباما كان أكثر الحكام منطقا وأحسنهم تصرفا في النصف الأول من العشر سنوات الأخيرة. وهم على حق. لكن خطاب أوباما- الذي ألقاه عندما كان معدل الباحثين عن عمل في الولايات المتحدة الأمريكية فقط 9,7%- والذي عارض ملاحظة كينيز لعام 1937 والتي تتجلى في أن «الانتعاش الاقتصادي هو الوقت المناسب للتقشف في الخزينة وليس الركود، مؤشر قوي على تلك الفترة التي عرف مخاوفا بشان الديون.
لم يتضح لي بعد لماذا بدأ الشمال العالمي يرفض فجأة القواعد الاقتصادية الأساسية. ومن الواضح أن معدل الفائدة مقياس لتكلفة الديون والعجز. ومن الواضح أيضا أن سياسة التقشف لا تليق عندما يكون معدل الباحثين عن عمل مرتفعا. لكن مع تدخل أشخاص مثل روغوف وبلانتشارد، لدي أمل الآن أن يتذكر الخبراء الاقتصاديون في المستقبل الأحداث المؤسفة التي عرفتها العشر سنوات الأخيرة والحيلولة دون أن تتكرر.

مساعد نائب وزير المالية الأميركي الأسبق