آكلوا اللحوم..

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٣/فبراير/٢٠١٩ ٠٥:٣٠ ص
آكلوا اللحوم..

لميس ضيف
lameesdhaif@gmail.com

يروى أن شابا عقد العزم على خطبة فتاة فتقصّى عن سيرتها فأخبروه بأنها سيئة السمعة. فأسر في نفسه الأسى حتى ظهر عليه وهو يُصلي خلف أمام الجامع. فسأله عما كدر خاطره فأخبره. فقال له الأمام: فاسأل هؤلاء الناس عن بناتي وعُد لي بما يقولون، فذهب، ولما عاد في اليوم التالي صّد عن الأمام وعجّل الخطى كي لا يواجهه ولكن الإمام أصر عليه أن يقول له ما سمعه؛ فقال على استحياء أنه سمع أنهن سليطات اللسان مشاءات بين الناس بنميم.

فتبسم الأمام وقال للشاب: أنا عقيم لا ولد لي ولا بنت. فاخطب البنت التي أردت على بركة الله.

العبرة من تلك الواقعة، صحت أو إن لم تكن دقيقة، هي أن الناس كانت – ومنذ الأزمنة الغابرة – ظالمة بالفطرة. ونحن نتحدث هنا عن زمن كان للقيم فيه سلطة. فما بالكم بعصرنا هذا الذي أصبحت فيه الذمم بحجم ملاعب كرة القدم!
لا يمر يوم إلا وتسمع عن فضحية ما. وإن لم تتوفر الفضيحة فهناك من سيخلقها. فشهية الناس تعودت على اللحم الطازج. ولم تعد تسليها النكات والحوادث العابرة. وكلما كان لحم الفضحية أو الإشاعة دسما. كلما طال طابور مريديها.
على صعيد أقل جماهيرية. قلما تسأل اليوم عن شخص فلا تكون عيوبه هو أول ما يقال. بل إنني سألت ذات مرة عن متجر مصممة أزياء، أبتغي عنوانه، فتبرع جلاسي بسرد قصة حياة عائلتها. وكيف سرق جدها، وكيف هربت خالتها من زوجها مع آخر وقعت في هواه. وكيف أوقعت هي بزوجها. كم المعلومات التي رميت بها كان مهولا، وكانت القصص تتوالى بحماس من يشاهد مباراة كرة قدم.
ولم يصف لي أحد العنوان. بل انشغلوا بالاختلاف حول تفاصيل لا تعنيني ولا تعنيهم هم بالتأكيد!
لا أظن أن «الجماهير» تقوم بما تقوم به مدركة ما تفعل. إنهم يعيشون حالة من الاختلال النفسي الذي ساهم به الفضاء المفتوح والبرامج التي شرعنت التلصلص والتجسس والنميمة الممنهجة. ولا عدّ للضحايا هنا. فالناس تميل لتصديق الأنباء البائسة والمخزية أكثر مما تصدق أو تتذكر المديح في حق أحد.
إنه زمان صعب.. ووقت وصلت فيه البشرية لقمّة تخلفها في وقت تتمظهر فيه بالتحضر. ولا زلنا ننتظر بفارغ الصبر ثورة إنسانية جديدة تعيد للجنس البشري عقله بعد أن «انتكس» في عصر الأجهزة الذكية.