اليوناني ياقوت الحموي وما كتبه عن عُمان قبل أكثر من 800 سنة

بلادنا الخميس ١٤/فبراير/٢٠١٩ ٠٨:٠٠ ص
اليوناني ياقوت الحموي وما كتبه عن عُمان قبل أكثر من 800 سنة

إعداد: نصر البوسعيدي
ضمن سلسلة " عمان عبر الزمان"

كان أبرز الأدباء والجغرافيين قبل آلاف السنين يحرصون كل الحرص على تدوين أهم الحضارات والدول التي كانوا يسمعون عنها كثيرا أو قاموا بزيارتها ووضع وصفها في جل كتاباتهم.
وبما أن عُمان وحضارتها وأهلها كانوا يصنعون الحدث التاريخي منذ فترات زمنية قديمة سيطروا فيها على طرق التجارة العالمية القديمة فإن ذلك جعلهم في مصاف الدول والحضارات التي استقطبت العديد من الرحالة والأدباء وأبرز الجغرافيين في زمانهم.
والجدير بالذكر أن أغلب الكتابات القديمة لليونان والرومان كانت تشير إلى عمان وموانئها بشكل دقيق، بل كانوا يضعون عمان في خرائطهم ومخطوطاتهم لتبقى شاهدة على عظمتها ومكانتها كأبرز حضارة في شبه الجزيرة العربية، ولقد كتبت البروفيسورة أسمهان الجرو كتبا متخصصة في ذلك لمن يود العودة إليها ليستزيد من تلك المعلومات الواردة من خلال كتابها بعنوان: "الموانئ العمانية القديمة في ضوء الكتابات اليونانية والإغريقية".
وهنا سنركز في العصر الإسلامي على ما كتبه الجغرافي والأديب اليوناني المعروف ياقوت الحموي (1178-1225م) والذي ولد في اليونان ومن ثم دخل الإسلام وأقام في بغداد حتى وفاته فيها، ولقد كان من أبرز أدباء زمانه، وله عدة مؤلفات أشهرها وأهمها كتاب ( معجم البلدان) الذي دون فيه أبرز المدن التي زارها وسمع عنها بحرص شديد، ويقال إنه أنجز هذا الكتاب وهو بعمر الـ45 عاما، والمهم من هذا أن ياقوت الحموي كان حريصا جدا على أن يشير إلى عُمان ومدن عُمان بشيء من التفاصيل سنوردها لكم هنا بتصرف واختصار مخافة الإطالة مثلما دونها في كتابه (معجم البلدان) قبل أكثر من 800 عام، حيث نلاحظ هنا انه أشار إلى مدينة أدم، وجبل أسيوت، وتؤام وجلفار، ورأس الجُمحة، وجوف الحميلة، وحتى، وحجور، وجبل حلحل، والخط، ودبا، والدردور، ودغوث، ودما، وريسوت، وشغف، وسماهيج– وسمائم، وصحار، وضمير، وظفار، وقلهات، وجبل قهوان، وجزيرة قيس، وجبلا كسير وعوير، وكمزار وجزيرة لافت، ومرباط، ومسقط، وجزيرة مصيرة، ونزوى، وكلباء.

ولتكن البداية مع ما كتبه عن عُمان فقال: "عُمان اسم كورة عربية على ساحل بحر اليمن والهند، وعُمان في الإقليم الأول طولها 34 درجة و30 دقيقة وعرضها 19 درجة و45 دقيقة في شرقي هجر تشتمل على بلدان كثيرة ذات نخل وزروع إلا أن حرها يضرب به المثل.
قال الأزهري: يقال أعمن وعمن إذا أتى عُمان، ويقال أعمن يعمن إن أتى عمان، وقال ابن الإعرابي العُمُنُ المقيمون في مكان، يقال رجل عامن وعمون، ومنه اشتق اسم عُمان وقيل أعمن دام المقام بعُمان، وقصبة عُمان صحار، وقال الزجاجي سميت عُمان بعمان بن إبراهيم الخليل، وقال ابن الكلبي سميت بعمان بن سبإ بن يفثان بن إبراهيم خليل الرحمن لأنه بنى مدينة عُمان، وفي كتاب ابن أبي شيبة ما يدل على أنها المرادة في حديث الحوض لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما بين بُصرى وصنعاء، وما بين مكة وأيلة ومن مقامي هذا إلى عُمان".
ولم يغفل ياقوت الحموي ذكر مدن عُمان بشيء من التفاصيل ولتكن البداية مع مدينة أدم حيث قال عنها: "وأدم أيضا من نواحي عُمان الشمالية، تليها شمليل وهي ناحية أخرى من عُمان قرية من البحر".
وهنا يذكر مدينة تؤام العمانية (البريمي) فيقول في معجمه: "تؤام بالضم ثم فتح الهمزة بوزن غلام، اسم قصبة عُمان مما يلي الساحل وصحار قصبتها مما يلي الجبل ينسب إليها الدر، وبها قرى كثيرة، وقال نصر: تؤام قرية بعمان بها منبر لبني سامة.

قال سويد:
لا ألاقيها وقلبي عندها
غير إلمام إذا الطرف هجع
كالتؤامية إن باشرتها
قرت العين وطاب المضطجع

وهنا يذكر الحموي مدينة جلفار والتي كان يسميها جرفار فيقول: "جُرفار مدينة مخصبة بناحية عُمان وكثر ما سمعتهم يسمونها جلفار باللام".
ويشير ياقوت الحموي لموضع عماني أسماه رأس الجمحة فيقول عنه: "الجُمحة سن خارج في البحر بأقصى عُمان بينها وبين عدن يسميها البحريون رأس الجُمحة، وله عندهم ذكر كثير فإنه مما يستدل به راكب البحر إلى الهند والآتي منه".
وكتب الحموي عن مكان في عُمان اسمه (جوف الحميلة) وقال: "جوف الحميلة موضع بأرض عُمان فيه أهوت ناقة لسامة بن لؤي إلى عرفجة فانتشلتها وفيها حية فنفختها فرمت بها على ساق سامة فنهشته فمات، وقيل اسم الموضع الذي هلك به سامة بن لؤي (جو)".
وقال الحموي عن مدينة حتى: "حتى مقصور بلفظ حتى من الحروف من خط ابن مختار من خط الوزير المغربي انه اسم موضع. قال نصر حتى من جبال عُمان".
وأشار ياقوت الحموي كذلك لموضع عماني يسمى الحجور فقال: "حجور موضع في ديار بني سعد بن زيد مناة بن تميم وراء عُمان، قال الفرزدق:

لو كنت تدري ما برمل مقيد
بقرى عُمان إلى ذوات حجور

ومن الجبال العمانية التي ذكرها ياقوت الحموي جبل حلحل إذ قال عنه: "حلحلُ بفتح الحاءين وسكون اللام، جبل من جبال عُمان وهو في شعر الأخطل مصغر قال:

قبح الإله من اليهود عصابة
بالجِزع بين حليحل وصحار

وكذلك يذكر موضع من عُمان باسم الخط فقال: "الخط أرض نسبت إليها الرماح الخطية فإذا جعلت النسبة اسما لازما قلت خطية ولم تذكر الرماح، وهو خط عُمان. وقال أبو منصور: وذلك السيف كله يسمى الخط ومن قرى الخط القطيف والعقير وقطر.
قلت أنا وجميع هذا في سيف البحرين وعُمان ومهي مواضع كانت تجلب إليها الرماح القنا من الهند فتقوم فيه وتباع على العرب".
أما مدينة دبا فقد قال عنها ياقوت الحموي: الدبا الجراد قبل أن يطير، وقال الأصمعي: سوق من أسواق العرب بعُمان وهي غير دما، ودما أيضا من أسواق العرب كلاهما عن الأصمعي، وبعُمان مدينة قديمة مشهورة لها ذكر في أيام العرب وأخبارها وأشعارها وكانت قديما قصبة عُمان.

وأشار الحموي لموضع في عُمان يسمى كذلك الدردور فقال: دُردؤر موضع في سواحل بحر عُمان مضيق بين جبلين يسلكه الصغار من السفن.
ويصف كذلك بلدة عمانية اسمها دغوث فيقول: "دغُوثُ بلد بنواحي الشحر من أرض عُمان والله أعلم بالصواب".
أما دما (السيب حاليا) فقال ياقوت الحموي عنها: "دما بلدة من نواحي عُمان وقيل مدينة تذكر مع دبا وكانت من أسواق العرب المشهورة، منها أبو شداد، قال: جاءنا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قطعة من أديم عُمان روى عنه عبد العزيز بن زياد الخبطي".
وقال الحموي في معجمه عن ريسوت: "قال ابن الحائك: ريسوت في منتصف الساحل ما بين عُمان، وعدن ريسوت وهو كالقلعة بل قلعة مبنية بنيانا على جبل والبحر محيط بها إلا من جانب واحد، فمن أراد عُمان فطريقه إليها، فإن أراد أن يدخل دخل، وإن أراد جاز الطريق ولم يلو عليها وبين الطريق التي يفرق إليها وبين الطريق المسلوك إلى ظفار نحو ميل وبها سكن من الأزد".
ومن الأماكن التي وصفها أيضا مكان اسمه شغف: قال الليث: شغف، موضع بعُمان ينبت الغاف العظام وهو شجرة من شجر الشوكة وأنشد:

حتى أناخ بذات الغاف من شغف
وفي البلاد لهم وسع ومضطرب

وتحدث كذلك عن موضع سماهيج وسمائم فقال "وسماهيج اسم جزيرة تقع وسط البحر بين عُمان والبحرين. وسمائم: بفتح أوله كأنه جمع سموم بلدة قرب صحار ولعلها من أعمال عُمان".
وحينما أشار ياقوت الحموي لمدينة صحار قال: "صحار بالضم وآخره راء يجوز أن يكون من الصحرة بالضم وهو تنجاب وسط الحرة، والجمع صحر فأشبعت الفتحة فصارت ألفا أو من الصحرة وهو لون الأصحر وهو كالشقرة.
وصحار قصبة عُمان مما يلي الجبل وتؤام قصبتها مما يلي الساحل، وصحار مدينة طيبة الهواء والخيرات والفواكه مبنية بالآجر والساج كبير ليس في تلك النواحي مثلها وقيل إنما سميت بصحار بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام وهو أخو رباب وطسم وجديس، قال اللغويون: انها تلي الجبل، وقال البشاري: صحار قصبة عُمان ليس على بحر الصين بلد أجل منه عامر آهل حسن طيب ذو يسار وتجار وفواكه أجل من زبيد وصنعاء، وأسواق عجيبة وبلدة ظريفة ممتدة إلى البحر، دورهم من الآجر والساج شاهقة نفيسة، والجامع على الساحل له منارة حسنة طويلة...، وهم في سعة من كل شيء وهو دهليز الصين، وخزانة الشرق والعراق، ومعونة اليمن والمصلى وسط النخيل ومسجد صحار على نصف فرسخ وثمة بركت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإليها ينسب أبو على محمد بن زوزان الصحاري العماني الشاعر وكان قد نكب فخرج إلى بغداد فقال يتشوق بلدته صحار:
إذا حللتم في صحار فألمموا
بمسجد بشار وجوزوا به قصدا
إلى سوق أصحابه الطعام فإنه
يقابلكم بابان لم يوثقا شدا

حتى قال:
وليس يضر السيف إخلاق غمدِه
إذا لم يفل الدهر من نصله حدا

ويذكر الحموي كذلك بلدة عمانية تسمى ضمير فقال: "ضمير بلد بالشحر من أعمال عُمان قرب دغوث".

وقال عن ظفار: ظفار في الإقليم الأول وطولها 78درجة وعرضها 15 درجة، وهي مدينة في موضعين إحداهما قرب صنعاء وهي التي ينسب إليها الجزع الظفاري وبها مسكن ملوك حمير...، فأما ظفار المشهورة اليوم فليست إلا مدينة على ساحل بحر الهند بينها وبين مرباط 5 فراسخ وهي من أعمال الشحر...، وقيل إن اللبان لا يوجد في الدنيا إلا في جبال ظفار وهو غلة لسلطانها".
وعن كمزار قال الحموي: "كمزار بليدة من نواحي عُمان على ساحل بحره في واد بين جبلين شربهم من أعين عذبة جارية".
ونزوى التي أسماها الحموي في معجمه نزوة قال عنها: "نزوة جبل بعُمان وليس بالساحل، ويُعمل فيها صنف من الثياب منمقة بالحرير جيدة فائقة لا يعمل في شيء من بلاد العرب مثلها ومآزر من ذلك الصنف يبالغ في أثمانها رأيت منها واستحسنتها".
وهنا نكتفي بذكر هذه المدن العمانية بكتابات ياقوت الحموي مخافة الإطالة لنقول للعالم أجمع بأن تاريخ عُمان وحضارتها وأهلها كانت ولا زالت منذ آلاف السنين ناصعة سيرتها في صفحات التاريخ.

المرجع: موسوعة عُمان في الأدب العربي، في عيون المؤرخين والنسابة والجغرافيين والرحالة ج3، د.هلال الحجري، وزارة الإعلام – سلطنة عُمان – الطبعة الاولى2018م.