باكستان وموجة التقنية

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٤/فبراير/٢٠١٩ ٠٢:٤٩ ص
باكستان وموجة التقنية

أسد جمال

في الماضي كان اكتشاف الموارد الطبيعة مثل الذهب أو الهيدروكربونات هو الذي يحرك اكثر اقتصادات العالم دينامية وأما اليوم فهي التقنية والابتكار والريادة ونحن نعلم الآن أن شركة تقنية ناشئة لشخص او شخصين وبدون اصول مادية يمكن ان تصبح شركة قيمتها عدة بلايين من الدولارات وتكون بمثابة نقطة تحول لصناعات برمتها في لحظة عين تقريبا.

ان الثورة التي تحركها التقنية يمكن ان تعطي الدول النامية فرصة كبيرة لتسريع تحديث اقتصاداتها فعلى سبيل المثال فإن باكستان والتي يوجد فيها 130 مليونا من الشباب واقتصاد تقليدي بشكل عام وغيرها من الدول النامية يمكنها ان تستلهم من التجربة الصينية والتي قبل عقدين فقط كانت لديها صناعة تقنية ناشئة صغيرة ولكنها اليوم تضم تسعة من افضل 20 شركة رقمية على مستوى العالم.

لقد كانت تجربتي الاولى مع الدينامية التقنية الصينية عندما انتقلت وبدافع من ثقافة الشركات الناشئة على الانترنت في اواخر التسعينيات الى وادي السيليكون حيث اسست بلانيت كابيتال وهي شركة لرأس المال الاستثماري. لقد كنت جديدا في ذلك المجال ولم اكن اعرف ما الذي يمكن توقعه وفي سنة 2000 التقيت بروبن لي وهو من رواد الاعمال الصينيين في العشرينيات من عمره حيث كان يسعى للحصول على تمويل لشركته الجديدة بايدو علما انه طبقا لمعايير الاستثمار التقليدية فإن فرص بايدو بالنجاح كانت معدومة؛ فالشركة لم يكن لها سجل حافل بالنجاحات بالاضافة الى وجود تمويل محدود وفريق لا يتمتع بالخبرة ومع ذلك كان هدفهم هو تحدي محركات البحث العملاقة جوجل وياهو.
لكني تعلمت سريعا انه في عالم الانترنت الجديد فإن هذه العقبات تعتبر عادية جدا وانه يمكن تجاوزها من خلال رواد اعمال متحمسين واصحاب رؤية ولديهم احلام وافكار كبيرة ونتيجة لذلك قامت شركتي بالمضي قدما والاستثمار في رؤية روبن وخلال خمس سنوات من ذلك الاجتماع تحولت بايدو من مجرد فكرة لتصبح قائدة صناعة محركات البحث على الانترنت في الصين بحيث تخلفت جوجل وياهو كثيرا عنها واليوم هي واحدة من اكبر ثلاث شركات صينية في مجال الانترت بحيث شكلت ثلاثيا مع علي بابا وتينسينت واليوم روبن نفسه هو الآن لاري بايج او بيل جيتس الصين حيث تقدر ثروته باكثر من 10 بلايين دولار امريكي. اذن ما هي الاولويات التي يجب على الدول النامية مثل باكستان تبنيها علما ان باكستان اليوم هي مثل ما كانت عليه الصين اقتصاديا قبل 25 سنة؟
ان الاقتصاد الباكستاني حاليا يركز على قطاعات الصناعات التقليدية والزراعة والنسيج والاسمدة والاسمنت مما يتركها عالقة في مكان ما بين الثورتين الصناعيتين الاولى والثانية. ان اجمالي القيمة السوقية لجميع الشركات المسجلة في سوق الاسهم الباكستاني وعددها 559 هو حوالي 60 بليون دولار امريكي اي ما يعادل شركة واحدة من اكبر مئة شركة تقنية.
من اجل كسر دائرة الفقر يتوجب على باكستان ان توفر الظروف التي تمكنها من المشاركة العريضة في الثورة التقنية وفقط من خلال الاصلاح الجذري يمكن للبلاد ان تتقدم سريعا من اجل الانضمام الى الثورة الصناعية الرابعة التي يحركها الذكاء الصناعي حاليا ومن اجل تحقيق ذلك يجب على باكستان ان تقر بأن شبابها هم اكثر مواردها قيمة وعليه يتوجب عليها تعليمهم وتمكينهم والاستفادة من نجاحهم وخاصة في مجال العلم والتقنية واذا نجحوا فإن باكستان ستنجح.
ان الأخبار الطيبة بالنسبة لباكستان والبلدان الاخرى في نفس الوضع هي ان الشركات التقنية الناشئة تتطلب موارد اقل بكثير من الشركات الصناعية التقليدية كبيرة الحجم وبينما تتطلب تلك الشركات الصناعية عادة مئات الملايين من الدولارات على شكل رأسمال ومصنعا والآلات وقروضا بنكية فإن الشركات التقنية تحتاج فقط لفريق صغير من الاشخاص الاذكياء واجهزة الحاسوب وتمويل متواضع بالاضافة الى الارشاد والنصح. ان رواد الاعمال الباكستانيين الشباب هم في وضع جيد يشبه وضع نظرائهم الصينيين قبل عقدين من الزمان فهم يحتاجون لافكار عظيمة وتشجيعهم على تطوير تلك الافكار. بالطبع فإن توفير رأس المال الاستثماري ضروري وعليه يتوجب على باكستان تأسيس صندوق وطني لرأس المال الاستثماري من اجل الترويج لريادة الاعمال التقنية وبالاضافة الى ذلك فإن صعود الصين والتي تلعب دورا قياديا في المجال الاقتصادي والتقني سيعطي الباكستان فرصة نادرة للتعلم من جارتها والتعاون معها في مجالات التعليم والعلوم والتقنية.
إن التقنية والابتكار وريادة الاعمال هي العناصر الرئيسية للنجاح الاقتصادي في القرن الحادي والعشرين كما رأينا بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية والصين. تتمتع باكستان بإمكانات هائلة غير مستغلة في تلك المجالات والتي يجب تحقيقها الآن.

مؤسِّس ورئيس ePlanet Capital، شركة

الاستثمار التي تتخذ من سيليكون فالي مقرا لها