فنزويلا تُخبر أوروبا عن روسيا

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٧/فبراير/٢٠١٩ ٠٤:٤٥ ص
فنزويلا تُخبر أوروبا عن روسيا

آنا بالاسيو

قدم رئيس الجمعية الوطنية، خوان غوايدو، القسم بصفته الرئيس الفنزويلي المؤقت أمام آلاف المواطنين، في تحد مفتوح لشرعية نظام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو الكارثي. كانت للأزمة السياسية المستمرة دلالات- مع انقسام المجتمع الدولي حول من يجب الاعتراف به كزعيم شرعي لفنزويلا.

بحجة أن انتخابات مايو 2018 التي سلمت مادورو فترة ولاية أخرى كانت خدعة، تذرع غوايدو بنص دستوري يسمح لرئيس الجمعية الوطنية بتولي منصب الرئيس الغائب أو العاجز، الى حين تنظيم انتخابات جديدة. على الفور تقريبا، اعترف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بغوايد وكزعيم شرعي لفنزويلا، وهي الخطوة التي يمكن أن تشير إلى ظهور مبدأ ترامب الفعلي. وتبعتها العديد من بلدان أمريكا اللاتينية والمؤسسات الإقليمية، مما يشير إلى الابتعاد عن النزعة الشعبية اليسارية في المنطقة.

أما بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فقد كانت الاستجابة فوضوية. في نهاية المطاف، اعترف العديد من الأعضاء- بما في ذلك ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة- بشرعية غوايدو في عمل منسق. لكن أصدر آخرون فقط بيانات دعم، وحجبت إيطاليا بيانًا مشتركًا للاتحاد الأوروبي حول هذه القضية. أبرزت هذه المحاولة الفاشلة لتطوير سياسة موحدة الخلل في السياسة الخارجية والأمنية المشتركة للاتحاد الأوروبي.

نظام مادورو أيضا لديه داعمون دوليون، بدءا من روسيا. على مدى العقدين الفائتين، ضخ الكرملين بلايين الدولارات من القروض والاستثمار في فنزويلا، حيث يقدر الدين العام بأكثر من 150 بليون دولار. في عام 2017، استحوذت شركة روسنفت الروسية للطاقة المملوكة للدولة على 49.9 في المائة من شركة سيتو التي تملكها فنزويلا ومقرها الولايات المتحدة. كانت هذه الاستثمارات أساسية لدعم نظام مادورو.
وبما أن غايدو راهن على ادعائه، فقد برز نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كمدافع عن مادورو قبل كل شيء، واغتنم كل فرصة لإدانة «تغيير النظام» الذي فرضه الغرب. وهذه التصريحات تعكس تلك التي جاءت قبل تدخل روسيا في سوريا، مشددة على مدى تدخل الكرملين. وبفضل نجاحها هناك، قد يتضاعف دورها كدولة مدمرة عالمية.
كما استخدم الكرملين أساليب أخرى من قواعد اللعبة السورية. في ديسمبر، وسط ضغوط متصاعدة على مادورو، وصلت قاذفتان استراتيجيتان روسيتان نوويتان إلى فنزويلا في مهمة تدريبية نشرتها وزارة الدفاع الروسية، متحدية هيمنة أمريكا الاستراتيجية في نصف الكرة الغربي. بعد أيام، ظهرت شائعات عن خطط روسية لإنشاء قاعدة جوية عسكرية في فنزويلا، فيما سيكون أكبر توقع للقوة العسكرية الروسية في أمريكا اللاتينية منذ أزمة الصواريخ الكوبية.
من المفترض أن تكون نشاطات روسيا في فنزويلا بمثابة تحذير للولايات المتحدة - وبشكل ضمني لأوروبا - على عدم التدخل في المجالات ذات الأهمية الروسية. يريد الكرملين أن يوضح أن روسيا، لديها القدرة على خلق الفوضى في منطقة قريبة من أمريكا.
لطالما دافع بوتن عن العودة إلى نموذج القرن التاسع عشر القائم على مجالات النفوذ. من خلال استخدام عصا في أمريكا اللاتينية، أو على الأقل بدس عش الدبابير، فإنه يأمل إقناع منافسيه الغربيين باستصواب مثل هذا الأمر. ربما الأهم من ذلك أنه يريد أن يُظهر لبقية العالم أن النظام الذي تقوده الولايات المتحدة يتداعى. ما هي أفضل طريقة لتحقيق ذلك من خلال تحدي العنصر الأقدم والأكثر أهمية في السياسة الخارجية الأمريكية ، مذهب مونرو عام 1823؟
كما أن دعم روسيا لمادورو، مثل مساعدتها للرئيس السوري بشار الأسد، يرسل إشارة إلى قادة آخرين: روسيا، على عكس الولايات المتحدة، شريك موثوق به. إلا أن قوة روسيا المدمرة - والولاء لحلفائها - لها حدودها، والتي بدأت تظهر. مع استمرار الأزمة السياسية ، تراجع دعم روسيا لمادورو. يوافق الكرملين الآن علانية على دعوات لإجراء حوار بين النظام والمعارضة، وهناك شائعات بأن المسؤولين الروس يتواصلون بهدوء مع غويدو والمعارضة.
يقدم التغيير في موقف روسيا أدلة مهمة حول ما قد يتطلبه الأمر لمواجهة أنشطتها التخريبية. يضعف تصميم الكرملين جزئياً بسبب العوامل المحددة لكل حالة، مثل التحدي اللوجستي المتمثل في القيام بأي نوع من التدخل العسكري حتى الآن من القواعد العسكرية والبنية الأساسية الروسية القائمة.
غير أن التزام روسيا تجاه مادورو يتراجع أيضا لأن جيران فنزويلا والمنظمات الإقليمية ذات الصلة قد تبنوا موقفا موحدا بشأن هذه المسألة. وهذا يتناقض بشكل صارخ مع الصراع السوري، حيث خلقت الانقسامات العميقة بين تركيا والسعودية وقطر وإيران الكثير من الفرص للتعطيل.
والأهم من ذلك أن العديد من القوى الكبرى في العالم أظهرت أنها مصممة على التدخل في فنزويلا كثر بكثير مما أبدته تجاه سوريا. كيف ننسى «الخطوط الحمراء» للرئيس الأمريكي باراك أوباما؟ في سوريا، كما في أوكرانيا، ملأت روسيا الفراغ الذي تركه الغرب الذي كان غير راغب في التدخل.
في فنزويلا، على النقيض من ذلك، أشارت الولايات المتحدة إلى أنها سترد بقوة على الاستفزاز. عندما أمر مادورو الدبلوماسيين الأمريكيين بمغادرة البلاد، رفضت وزارة الخارجية الأمريكية، مما أجبر مادورو في النهاية على عكس طلبه. بعد بضعة أيام، تم تعيين الصقر إليوت أبرامز مبعوثًا خاصًا لفنزويلا. ثم كشف مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون «عن غير قصد» لكاميرات مذكرة تفيد إرسال «5000 جندي إلى كولومبيا».
لا يوجد فراغ في فنزويلا، حيث إن روسيا تتراجع. يجب على أوروبا أن تعلم ذلك.
مع تراجع النزاع السوري، ومع توطيد سلطة الأسد هناك، ينبغي أن تكون أوروبا حذرة من المزيد من جهود تعطيل الكرملين. لقد أقامت روسيا بالفعل تواجدًا في ليبيا، وفي الشهر الفائت، زار وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف تونس والجزائر والمغرب، بهدف التركيز على النزاعات الإقليمية، من بين قضايا أخرى.
هذه ليست لحظة ذعر، لكنها لحظة للاستعداد. على أوروبا العمل الآن على تقوية العلاقات مع الشركاء الإقليميين وبناء إجماع داخلي. وبخلاف ذلك، قد تجد أوروبا نفسها مصدومة، مرة أخرى، وغير قادرة على مواجهة التدخل الروسي

وزيرة خارجية إسبانيا السابقة، ونائبة رئيس البنك الدولي ومستشارته العامة سابقا، وهي حاليا عضوة مجلس الدولة الإسباني ومحاضرة زائرة في جامعة جورج تاون.