مستقبل الوطن في هذه الأحلام!

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٧/فبراير/٢٠١٩ ٠٤:١٠ ص
مستقبل الوطن في هذه الأحلام!

علي بن راشد المطاعني
هي بكل المقاييس مدوية، تلك هي قضية الموسم التي فجرها المواطن العُماني سلطان العامري، هو رجل موهوب، حباه الله بفضل وعلم وطموح سقفه السماء الدنيا، وعلى الأرض فلا حدود لطموحه وآماله، صناعة السيارات التي لم يستطع أي رجل أعمال عربي في الدول العربية أن يفعلها بسبب نقص الخبرات تارة والطموح تـــارة أخـــرى والتمويل ثالثة كانت هي أحلامه منذ أن كان طفلا، ثابر وناضل وأنفق من جيبه الخاص وبدون أن يسعى لأي جهة لتنفق عليه أو لتمن عليه لا فرق، وهدفه كان واضحا منذ البدء، وهو صناعة سيارة عُمانية المنشأ، وعُمانية الهوى والغرام، تنطلق من هذه الأرض الطيبة لتجوب كل شوارع السلطنة ولتصل لكل فج من فجاج الأرض عميق، تلك كانت أحلامه، وكانت السيارة وكما رأيناها في مقطع الفيديو بتويتر في منتهى الفخامة والوجاهة والجمال، ورأينا فيها كل حديث مقترن بقمة التكنولولوجيا الرقمية في هذا المجال.
مشروع كهذا ورجل كهذا هو ما يحتاجه الوطن، هو ما نبحث عنه، هو غايتنا وهدفنا، هو الذي سيدخلنا إلى نادي العظماء في هذا الحقل الذي حُرم على العرب من المحيط للخليج، والدول الصناعية تخشى وتموت رعبا لمجرد وجود فكرة كهذه في عاصمة عربية، هم يرغبون أن نظل السوق الرائجة لهم وإلى الأبد، وأن نظل أبد الدهر مستهلكين لا مبدعين ومصنعين، ولأننا نعرف هذه الحقيقة فإنه ومن الطبيعي أن نستقبل العامري ومشروعه بالأحضان وبالترحاب وبالود الجميل، لأنه سيوفر علينا بلايين الريالات.
غير أن تجربة العامري المريرة أثبتت لنا بأن المبدعين يتم إحباطهم ، أعوام عجاف مرت وهو يلهث ويركض خلف سراب الحصول على التصاديق اللازمة لسيارته المواطنة، عشرة أعوام سوداء منذ عام 2009 مرت وهو يتلقى أوهام حصوله على التراخيص والتصاديق، وبما أنه رجل مؤمن وموحد ومسلم فقد كتب وصيته لبنيه بأنه إذا ما انتقل للرفيق الأعلى وفي حلقه طعم المر، فعليهم إكمال المشروع وتحقيق الحلم الذي يجب أن يرى النور وإن طال أمد المستحيل.
لقد تفاعل الشارع العُماني والعربي مع مأساة العامري في تويتر بدهشة أن الموقع تم التعليق عليه برقم يصدم خلال ساعات قليلة ليصل إلى 76 الف تعليق ومشاهد، وانطلقت الآهات والحسرات حارة وملتهبة وهي تدين هذا الواقع المرير وتشجب هذه البروقراطية القاتلة، وتشجب بأشد العبارات هذا الروتين المصاحب والمرافق لجهاتنا الحكومية، وهو داء وبيل سيكبل كل موهبة وكل إبداع ينبت كزهرة عطرة في هذا الأرض، إذ سرعان ما تحيط بها فيروسات وبكتيريا الحسد والضغينة وتبدأ في نهشها من داخل الجذور حتى تذبل ثم تهوي ثم يغطيها التراب، ثلاثة ملايين ريال أنفقها العامري من جيبه من أجل أن يبقى الحلم العُماني حيا، ثلاثة ملايين ريال أنفقها من أجل أن يقال في أقاصي الأرض (صنع في عُمان)، فأي وطنية هذه التي تجلت في نفس هذا الرجل العصامي الألمعي المتفرد، وأي إرادة وصميمية تلك التي أبداها العامري، وأقل ما تقدمه له عُمان الوطن هو أن تضعه فوق رموش العيون وفي سويداء القلوب.
نحتاج مثل هؤلاء الطموحين فهم مثل العامري بداية انطلاقنا لرحاب أن نكون دولة لها شان في الصناعة القوية فأبناؤنا قادرون وهذا الدليل، انطلاقا من مصنع (نور مجان للسيارات).
لاينبغي في مطلق الأحوال أن تمر تجربة العامري المريرة مرور الكرام، يجب أن يفتح تحقيق واسع مع كل الجهات التي عمدت لعرقلة هذا المشروع العُماني على الإطلاق، ومحاسبة كل الجهات التي عمدت لوضع المتاريس والمطبات الأرضية والهوائية أمامه وأمام مصنعه الذي أمسى من اليوم مصنع كل العُمانيين. ومن المؤكد أن أجندة هؤلاء المسؤولين لديه.
نأمل أن نستفيد من هذا الدرس الأليم، ولنعيد النظر في كل السياسات الخاصة بالاستثمار ولا سيما الاستثمار الوطني الجاد، فهو مطيتنا الأحق بالرعاية للولوج لرحاب المستقبل.