أي حل سياسي في سوريا؟

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٧/فبراير/٢٠١٩ ٠٤:٤٥ ص
أي حل سياسي في سوريا؟

د. فيصل القاسم
إن أكثر المصطلحات تداولاً في القضية السورية مصطلح «الحل السياسي». ولطالما سمعنا من كل القوى الإقليمية والعربية والدولية عبارة فضفاضة مطاطة وهي عبارة «لا حل عسكرياً في سوريا». يا إلهي: وماذا تسمون كل ما فعلوه على مدى الأعوام الأربعة الفائتة منذ التدخل الروسي الرسمي في سوريا في 15 سبتمبر من عام 2015؟ هل كان تدخلاً سياسياً بربكم، أم كان تدخلاً عسكرياً لصالح طرف بعينه على حساب كل قوى المعارضة وداعميها؟
كم هو مضحك ومضلل أن تسمع مصطلح «الحل السياسي» بينما كل ما يحدث على الأرض هو فعل وحل عسكري بامتياز. أين السياسي في التدخل الذي لم يترك منطقة تسيطر عليها المعارضة إلا ودمرها فوق رؤوس ساكنيها على طريقة الأرض المحروقة، وهو مشهد يذكرنا بمشاهد الدمار الرهيب في الحرب العالمية الثانية بمدينة درسدن الألمانية وغيرها.
هل كانت المؤتمرات الخاصة بسوريا مؤتمرات للحل السياسي أم مؤتمرات استسلام بكل ما في الكلمة من معنى؟ ماذا حققت تلك المؤتمرات للشعب السوري وقواه المعارضة غير تسليم المناطق والاعتراف للقوة وتوابعها والتنازل لها عن الأراضي التي كانت تسيطر عليها المعارضة تباعاً. ومنذ التدخل الروسي تخلت كل الفصائل عن مناطقها تحت القصف. هل كان ذلك حلاً سياسياً؟ لا يسع المرء هنا إلا أن يضحك عالياً على هذا الحل السياسي الكوميدي. قال سياسي قال. ما هو السياسي في القصف الذي حرق حتى المدارس والجوامع والمشافي؟ هل تسليم المناطق ثم الذهاب إلى مؤتمرات تحت ضغط القوة حل سياسي، أم استسلام كامل الأوصاف؟
الحلول السياسية الحقيقية لخصها شاعر تونس العظيم أبو القاسم الشابي في بيته الشهير: «إنَّ السَّلاَمَ حَقِيقة ٌ مَكْذُوبة.. والعَدْلَ فَلْسَفَة ُ اللّهيبِ الخابي.. لا عَدْلَ إلا إنْ تعَادَلَتِ القوَى وتَصَادَمَ الإرهابُ بالإرهاب». ماذا بقي في سوريا لقوى المعارضة كي يكون هناك حل سياسي يرضي جميع الأطراف؟ كيف يتم تقاسم السلطة في سوريا إذا كان هناك طرف يسيطر على كل مفاصل الدولة العسكرية والاستخباراتية والمدنية وطرف لم يعد يمتلك شيئاً؟ حتى لو فرضت القوى الدولية تقاسم السلطة حسب مقررات جنيف في سوريا، فستبقى اليد العليا لطرف بعينه، وسيكون نصيب المعارضة الحالية كنصيب ما كان يسمى «الجبهة الوطنية التقدمية» حيث كان النظام يمنحها سلطات معينة، ولم تكن أصلاً معارضة حقيقية، بدليل أن رؤساء أحزابها كانوا أكثر بعثية من حزب البعث نفسه. ويكفي أن تعلموا أن أحد أشهر شخصيات تلك المعارضة صفوان قدسي كان يمتدح القيادة أكثر من البعثيين أنفسهم، وألف كتاباً في حب القائد. وهو نفسه رأس مؤتمر سوتشي الروسي الذي تريده موسكو أساساً للحل في سوريا بعد أن بلغ من العمر أكثر من ثمانين سنة.. يعني وكأن روسيا تقول للسوريين عبر صفوان قدسي سنعيدكم إلى الزمن ما قبل الأول.
إن أي حل سياسي في سوريا سيكون على الطريقة اللبنانية واتفاق الطائف في أحسن الأحوال.. باختصار سينتهي الصراع في سوريا، وسيتم توزيع السلطة بين عدة فرقاء، لكن ستبقى القوة الحقيقية بأيدي النظام لينقلب على الجميع لاحقاً كما حدث في لبنان حيث وزعوا السلطات هناك بين الميليشيات المتصارعة، لكن طرفاً واحداً الآن صار صاحب اليد العليا في لبنان. سوريا بعد الحل ستكون مثل لبنان الآن بالنسبة للمتفائلين.. أي أن صاحب المدفع الثقيل سيحكم سوريا وحتى أحزاب المعارضة. أما المتشائمون فلا يتوقعون أن يكون هناك حتى مؤتمر طائف سوري على الطريقة اللبنانية، لأن في لبنان عندما انتهت الحرب لم يكن هناك منتصرون ومهزومون، بل كان هناك تعادل في الانتصارات والخسارات، مما سهّل من عملية تقاسم السلطة وقتها. أما في سوريا فالمنتصر هو الطرف الروسي وتوابعه بفعل الحل العسكري، وبالتالي، فإن الأمر محسوم لصالح طرف ضد آخر قبل أن تبدأ المفاوضات من أجل طائف سوري. وهذا يعني من الخطأ حتى مقارنة الحل السياسي في سوريا بالحل اللبناني.

إعلامي ومقدم برنامج الاتجاه المعاكس في قناة الجزيرة