حماية المستهلك من الإعلانات!

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٩/فبراير/٢٠١٩ ٠٤:٣٠ ص
حماية المستهلك من الإعلانات!

علي بن راشد المطاعني
إعلان قصير في كلماته كبير في مراميه وأهدافه وغاياته، أثار غضبي ثم دهشتي وعجبي واستغرابي، يقول وببساطة شديدة وببراءة متناهية الوضوح وبشافية تنقصها الشافية: (أحضر أواني مطبخك القديمة، العطور، الساعات، أو الشنط وبدلها بالجديد.. تطبق الشروط).
بالطبع المشهد الأول الذي يمكننا تخيله هو أن ذلك المكان سيشهد تدافعا وضجيجا وصخبا إذ الأواني المنزلية القديمة والتي أكل عليها الدهر وشرب محمولة في شاحنات وسيارات تتأهب لدخول مقر ذلك المكان المطلوبة فيه، ثم يرمى بها من مكان عال أو من شاهق أو من قريب فالطرق والضرب لا يضيرها في شيء أصلا فهي معتقة وجبلت على الطرق والركل منذ أن كانت جديدة في السنوات الخوالي.
ثم لنا أن نتخيل مشهد قناني العطور التي تبقى منها ملء معلقة صغيرة قد جيئ بها للمكان، بعضها يناطح بعضا، وبعضها تهشم وتطايرت قطع الزجاج في المكان ما يستوجب أخذ الحيطة والحذر تماما كما تقول شرطة عُمان السلطانية عند نزول الأودية وهطول الغيث.
ولنا أن نتخيل بأن هناك أكياسا تحمل ساعات هامدة وميتة وما تبقى لها إلا الدفن قد جيئ بها للمكان، بعضها منزوع إطارها، وبعضها مهشم زجاجها أو بها خدوش وشقوق وثقوب، وبعضها لا يمكن لبسها لعدم وجود الأساور التي فُقدت منذ سنوات طويلة خلت.
ثم لنا أن نتخيل بأن الحقائب أو الشنط قد جيئ بها كذلك في شاحنات أو محمولة على الأيدي وهي تئن وهي في الأصل موجوعة منذ أن ألقي بها في غياهب المخازن والسراديب، وغطاها الغبار وطواها النسيان، ولا تستطيع أن تحمل في جوفها شيئا ذا قيمة، كل هذه المقتنيات التي لا تساوي حبة خردل واحدة جيئ بها للمكان لتستبدل بـ (الجديدة)، أليست هذه مفارقة تغري بالتأمل والانتباه لكل ذي عينين ولسان وشفتين، أليست هناك نقطة ما تضيء في دياجير الظلام تستحق التتبع لمعرفة مصدر الضوء وسره وأصله، كل هذه الأسئلة الحيرى لا تستقيم ومفاهيم التجارة المعروفة منذ أن وجد الإنسان على ظهر الأرض، وهي تنص على أن التجارة تعترف بقانون واحد وهو الربح، وأن الخسارة إذا ما فرضت نفسها على المشهد فستموت التجارة في الحال، فالخسارة هي السم الزعاف للتجارة هذا معروف ومتفق عليه أمميا.
لذلك يجب علينا الانتباه لما جاء في نهاية الإعلان وهو الجملة التي تقول (تطبق الشروط) من ناحية لغوية هي جملة غير مفيدة؛ لأن الشروط مجهولة أو مغيبة عمدا، أو لنقل لا يمكن الإفصاح عنها لشيء في نفس يعقوب، ويعقوب التاجر ما وضع إعلانه هذا إلا ليحقق أكبر قدر ممكن من الربح، ولن يقبل بأي حال من الأحوال أن يتكبد أي نوع من الخسائر.
فما هو الهدف البعيد الذي يرمي إليه هذا الإعلان الغامض معنى ومحتوى، ما نعرفه أن الوضوح والصراحة هي الطريق الأمثل للوصول للهدف وللمبتغى، وأن هذا المبدأ ينسحب على التجارة أيضا، وإن الالتفاف على الناس وحثهم على الحضور محملين بما لديهم من متاع ليس بالمتاع، لغرض استبداله بالجديد المفيد لا يمكن أن يقنع صاحب لب وعقل فأين الحيلة التي تحقق الربح بعد استبدال القديم بالجديد؟..
نأمل من الجهات المختصة متابعة هذا النوع من الإعلانات الغامضة، على الأقل من باب احترام عقل المستهلك المسكين والمثقل بهموم السوق وأوجاعه.