الانتظار الطويل

الحدث الأربعاء ٢٠/فبراير/٢٠١٩ ٠٤:٤٥ ص
الانتظار الطويل

حلب - أ ف ب
خلال دقائق معدودة، يضيق أحد شوارع مدينة حلب في شمال سوريا بالسكان الذين ما أن يسمعوا صوت شاحنة توزيع الغاز حتى يصطفّوا في طابور طويل، للفوز بجرّة انتظروها طويلاً، في ظل أزمة محروقات بدأت قبل شهرين.
يتكرر هذا المشهد يومياً في حي صلاح الدين في غرب مدينة حلب، كما في بقية المدن السورية بينها دمشق، بعدما ضربت البلاد أزمة محروقات خانقة أدت الى خفض الكميّات الموزعة من الغاز والمازوت على المناطق السورية كافة. وتزامنت الأزمة مع زيادة في الاستهلاك مع اعتماد كثير من العائلات على الغاز كوسيلة رئيسية للتدفئة خلال فصل الشتاء.
ويمكن في موعد التسليم، سماع ضجة ارتطام أسطوانات الغاز بعضها ببعض في كل أرجاء الحي.
وترتسم ابتسامة كبيرة على وجه أم بدر التي تمكنت أخيراً من الحصول على جرّة غاز تحاول بكل قوتها سحبها على الأرض قبل أن يتطوع شاب لمساعدتها في جرّها حتى مدخل منزلها. وتقول أم بدر وهي في الخمسينات من العمر، وقد ارتدت جلباباً طويلاً وحجاباً أسود «أقف هنا منذ ثلاثة أيام بشكل دوري كل صباح.. اليوم كنت محظوظة وحصلت على جرّة الغاز».
وتضيف «أعتمد على الغاز من أجل الطهي، وهو الوسيلة الوحيدة مع انقطاع الكهرباء لفترات طويلة».
وتُشرف لجنة من محافظة حلب برفقة عدد من عناصر الشرطة على تنظيم الصف الممتد على مسافة مئتي متر. ويتراجع عدد المنتظرين بشكل تدريجي مع إفراغ سيارة التوزيع حمولتها بالكامل. عندها يعود السكان سيئو الحظ أدراجهم بانتظار إعادة الكرّة في اليوم اللاحق.
ويحرص مختار حي صلاح الدين، حسن الجوك (44 عاماً)، على أن يأخذ المتقدمون في العمر والنساء الأسطوانات بشكل سريع. ويتابع مع عناصر الشرطة لائحة الأسماء المسجّلة لليوم.
ويسجّل المختار معلومات الهوية الشخصية لكل من يستلم جرّة غاز، لتلافي حصوله على جرّة أخرى. ويقول لوكالة فرانس برس «يعتبر حي صلاح الدين أكبر حيّ في حلب من حيث عدد السكان، إذ يضمّ نحو 25 ألف عائلة، ويتمّ إرسال (من جانب السلطات المعنية) نحو مئتي جرّة غاز يوميا إلينا».
ويتوقع أن «تتحسّن الكميّات مع اقتراب الربيع ودفء الطقس، إذ يعتمد الناس راهناً على الغاز للتدفئة» ما يزيد من الاستهلاك.

حصار وشح
وتحدث الرئيس السوري بشار الأسد في كلمة ألقاها الأحد خلال استقباله رؤساء المجالس المحلية تعليقاً على نقص المواد البترولية بينها الغاز عن «معاناة حقيقية». وقال إن «معظم الشعب السوري عانى منها»، مشيرا الى ضرورة أن تتغير آلية التوزيع على المحافظات وفق الاستهلاك باعتبار أن البلاد في حالة «حصار وشح».
وربطت الهيئة العامة للمنافسة ومنع الاحتكار في تقرير نشرته صحيفة «الوطن» السورية نهاية الشهر الفائت، الأزمة بأسباب عدة بينها «الحصار والعقوبات الاقتصادية التي تعوق وصول ناقلات الغاز إلى البلاد، واستيراد 70 إلى 80 في المئة من المادة الخام من دول صديقة»، إضافة إلى زيادة الطلب خلال الشتاء.
وتعليقاً على أزمة الوقود، قال وزير النفط والثروة المعدنية علي غانم خلال جلسة لمجلس الشعب في 22 يناير إن «الإجراءات الاقتصادية الأحادية الجانب المفروضة على سوريا تسببت بتعثر وصول المشتقات النفطية».
ولوّحت وزارة الخزانة الأميركية في 20 نوفمبر بفرض عقوبات على كل الجهات أو الأشخاص المنخرطين في عملية شحن النفط الى سوريا. وتزامن ذلك مع تحرك واشنطن لتعطيل شبكة دولية «وفّر من خلالها النظام الإيراني، بالتعاون مع الشركات الروسية، ملايين براميل النفط للحكومة السورية».
وحددت الخزانة الأميركية تسعة أهداف قالت إنها متورطة في المخطط بما في ذلك مواطن سوري تتخذ شركته من روسيا مقراً لها.
وتحتاج سوريا يومياً كمعدل وسطي الى 130 ألف أسطوانة غاز، وفق تقديرات رسمية. وتحدد السلطات سعر الأسطوانة بـ2700 ليرة سورية (5 دولارات). ونتيجة الأزمة، وصل سعرها في السوق السوداء الى 12 دولاراً، وفق ما يروي سكان لفرانس برس.
ومني قطاع النفط في سوريا بخسائر كبرى خلال سنوات النزاع منذ 2011 تقدرها السلطات بما يقارب 74 مليار دولار أميركي. ولا تزال حقول النفط والغاز الرئيسية في شمال وشمال شرق البلاد خارجة عن سيطرة دمشق.

تخفيف الدوام والمبيع
وانعكس نقص الغاز سلباً على أصحاب المؤسسات، لا سيما المقاهي والمطاعم، وبينهم مطعم محمد فتوح للدجاج المشوي في شارع الحميدية في حلب.
ويقول فتوح (50 عاماً) لفرانس برس «منذ بدأت أزمة الغاز، قلّلنا كمية البضاعة المعروضة للبيع، وخفّفنا ساعات الدوام لئلا نغلق بشكل كامل».
وأقفل عدد من محلات الشاورما، وفق فتوح، «بشكل كامل لمدة أسبوعين أو ثلاثة، قبل أن تعاود العمل بعد تمكنها من الحصول على أسطوانات غاز».
ورغم ارتفاع أسعار الغاز، يحافظ فتوح على أسعاره القديمة. ويقول «لا يُمكننا الانتظار يومياً في الطوابير لساعات طويلة» لشراء الغاز وفق السعر الرسمي، لذلك «نضطر أن نشتري جرّة الغاز ولو بسعر مرتفع» من السوق السوداء.
ولا تقتصرُ أزمة الغاز على محلّ فتوح، بل طرقت أبواب منزله. وتروي زوجته أم عبدو لفرانس برس أنها تعد في المنزل وجبات الطعام التي لا تحتاج للنار كالسلطات والأطباق الباردة. وتقول «اعتدنا على انقطاع الكهرباء ونقص المازوت، لكننا لم نعتد بعد على نقص الغاز». وتضيف «بات الحصول على جرّة الغاز حلماً يُضاف الى بقية أحلام المواطن الحلبي البسيط».