الرمق الأخير

الحدث الثلاثاء ٠٥/مارس/٢٠١٩ ٠٩:٥٧ ص
الرمق الأخير

الباغوز-سوريا-أ ف ب:

زحت آخر بقعة لا تزال خاضعة لسيطرة تنظيم داعش في شرق سوريا الأحد تحت وابل من النيران، في اليوم الثاني من بدء قوات سوريا الديموقراطية هجومها الأخير ضد المقاتلين المحاصرين في بلدة الباغوز في شرق سوريا. على سطح منزل مرتفع يطلّ على سهل، توجه القائد الميداني هاجيت قامشلو بالكلام الى صحافيين في وكالة فرانس برس كانوا يرصدون المعارك الدائرة على الجبهة الأمامية على بعد 800 متر، قائلا لهم «انتبهوا، وصلت!». وما هي إلا دقائق حتى سُمع هدير طائرة حربية تابعة للتحالف الدولي بقيادة واشنطن الداعم للفصائل الكردية والعربية، قامت بالتحليق في أجواء المنطقة قبل أن تلقي قنابلها على ما تبقى من مواقع للتنظيم .

وهزّ دوي انفجارات قذائف الطائرة السهل ودمّر منازل عدة متواضعة في أحد أحياء بلدة الباغوز، وسط تصاعد أعمدة من الدخان الاسود في سماء البلدة.
وقال القائد قامشلو عبر جهاز اتصال لاسلكي «عظيم، كان ذلك موقع قناصين» إرهابيين. وطلب من وحدات في قوات سوريا الديموقراطية موجودة في الميدان أن تبلغ التحالف الدولي في حال وجود مواقع عدوة أخرى أمامها.
والحي الذي تمّ استهدافه والأرض المحيطة به حيث يختبئ مقاتلو داعش منذ أسابيع بين المدنيين، عبارة عن مربع يبلغ طول كل ضلع منه حوالى 700 متر.
وتُعتبر هذه البقعة صغيرة جداً مقارنة بالمساحات الشاسعة التي كان يسيطر عليها التنظيم عام 2014 في سوريا والعراق. وقبل ساعة، كان طيران التحالف قد قصف موقعاً آخر لمقاتلي داعش وأصاب مخزنا للذخيرة تحت الأرض.
وأدت الغارة إلى انفجار قوي بدت شظاياه أشبه بالألعاب النارية في الجو، وسط هتافات حماسية من مقاتلي قوات سوريا الديموقراطية الذين كانوا أطلقوا مساء الجمعة ما يقولون إنه هجومهم الأخير على آخر جيب لتنظيم داعش.

الأكثر تطرفاً
وبعد استراحة ليلية قصيرة، استُؤنفت المعارك صباح الأحد، عبر المدفعية وقذائف الهاون من جهة قوات سوريا الديموقراطية، وصواريخ صغيرة وأسلحة خفيفة وقناصة وألغام من جانب مقاتلي تنظيم داعش .

غير أن المقاتلين يبدون مقاومة شديدة بعد أن استعدّوا لهجوم قوات سوريا الديموقراطية التي علّقت عملياتها العسكرية لمدة أسبوعين، متهمة التنظيم المتطرف باستخدام المدنيين كـ»دروع بشرية».
كما أوضح القائد الميداني صفقان لفرانس برس أنهم «محاصرون بشكل كامل. لكنهم زرعوا الكثير من الألغام على الطرق وفي المنازل».
وقد أسفر انفجار الكثير من هذه الألغام عن إصابة عدد من مقاتلي قوات سوريا الديموقراطية بجروح خطيرة، في الساعات الأولى من بدء الهجوم.
وأضاف «لقد أعدّوا أيضاً سيارات مفخخة، لكن لم يكن لديهم الوقت لاستخدامها لأننا عطّلنا عملها عبر ضربات شنّتها طائرات من دون طيار». ومنذ أسابيع يؤكد قياديون في قوات سوريا الديموقراطية أن نهاية تنظيم داعش باتت وشيكةً. وتحدثوا الأحد عن «أربعة أو خمسة أيام إضافية». وأضاف القائد الميداني صفقان «بسبب الأنفاق التي حفروها تحت الأرض، لا نعرف عددهم». كما اعتبر القائد قامشلو، أنه لا يزال هناك مقاتلين عراقيون بشكل خاص وأجانب من روسيا وجمهوريات آسيا الوسطى فضلاً عن أتراك وتونسيين، وسبعة فرنسيين على الأقل.
ومنذ مطلع ديسمبر، خرج نحو 53 ألف شخص بينهم عدد كبير من نساء وأطفال الجهاديين من آخر جيب لهم، بعد أن سمح لهم التنظيم بالخروج، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. ونقلت قوات سوريا الديموقراطية النساء والأطفال إلى مخيم الهول شمالاً فيما أرسلت الرجال الذين يُشتبه بانتمائهم إلى التنظيم إلى مراكز اعتقال.
لكن في الأنفاق التي يتمّ استهدافها في الوقت الحالي، لا يزال هناك نساء وأطفال من عائلات المقاتلين الأجانب. ويؤكد قامشلو أن «أولئك الذين بقوا هم الذين يريدون القتال أو تفجير أنفسهم، إنهم الأكثر تطرفاً».

لقاء

واعلن المتحدّث باسم هيئة الأركان الأميركية المشتركة أن قائدي الجيشين الأميركي والروسي سيلتقيان الإثنين في فيينا لبحث العمليات في سوريا حيث قررت الولايات المتحدة إبقاء قوة صغيرة لحماية حلفائها الأكراد. وقال المتحدّث باسم هيئة الأركان الأميركية المشتركة الكولونيل باتريك رايدر إن الجنرال جوزف دانفورد رئيس هيئة الأركان المشتركة سيمثّل الجانب الأميركي في اللقاء مع الجنرال فاليري غيراسيموف رئيس هيئة الأركان العامة الروسية.
وتابع رايدر أن «القائدين العسكريين سيبحثان تفادي حصول تصادم خلال عمليات التحالف والعمليات الروسية في سوريا، وتبادل وجهات النظر بشأن أوضاع العلاقات العسكرية الأميركية الروسية والأوضاع الأمنية الدولية الحالية في أوروبا ومواضيع أساسية أخرى».
ومنذ دخول روسيا النزاع في سوريا في 2015 حدّدت كل من موسكو وواشنطن منطقة عملياتها ضد تنظيم داعش، وقد أبلغتا بعضهما البعض بالعمليات الجوية المقررة لتفادي أي تماس.
ومن المسائل التي تثير توترا بين الجيشين الأميركي والروسي قضية القوى النووية في أوروبا، ولا سيما بعد تخلي الولايات المتحدة عن معاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى، متّهمة روسيا بعدم الالتزام بها. وعلى الرغم من النزاع في سوريا وتصاعد التوترات بين البلدين، أبقى القادة العسكريون الأميركيون والروس قناة تواصل بينهم.
وفي أغسطس 2018 وجّهت روسيا رسالة سرية تم تسريبها تتضمن مقترحات تعاون لضمان إعادة إعمار سوريا وعودة اللاجئين. وفي ديسمبر من العام الفائت قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب القوات الأميركية المنتشرة في شمال شرق سوريا حيث شاركت في القتال إلى جانب قوات كردية ضد تنظيم الدولة الإسلامية، لكنه عاد ووافق على إبقاء قوة صغيرة قوامها نحو مئتي جندي.
وتجري واشنطن حاليا مفاوضات مع حلفائها الغربيين في التحالف ضد تنظيم داعش رامية لتشكيل قوة دولية هدفها تدريب قوات أمن قادرة على إرساء الاستقرار في أجزاء من سوريا. ويقول مسؤولون أميركيون إن التنظيم يوشك على خسارة آخر جيب خاضع لسيطرته في سوريا.