أهم ما كتبه الأوروبيون عن مسقط وأهلها ومنتجاتها قبل أكثر من 400 سنة

بلادنا الخميس ١٤/مارس/٢٠١٩ ٠٢:٢٤ ص
أهم ما كتبه الأوروبيون عن مسقط وأهلها ومنتجاتها قبل أكثر من 400 سنة

نصر البوسعيدي
من كان يتخيّل بأن مسقط كانت من أشهر مدن الخليج منذ فترة طويلة في تصدير أجود أنواع العنب والخيول العربية والتمور واللؤلؤ ذي الجودة العالية والأسماك والبن إلى القارة الأوروبية والأمريكية والآسيوية؟!
كيف كنّا نملك أهم محطات طرق التجارة العالمية عبر الزمان بمختلف العصور، بل كيف كنّا سادة أساطيل البن اليمني الذي يصل للعالم من خلال السفن العمانية، بل لنفكّر كيف كنّا أفضل بلدان الخليج في تصدير التمور إلى الولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص من كان شعبها يتهافت على التمر العُماني بمختلف أصنافه كأجود سلع الشرق التي تصل إليهم، لنتساءل اليوم أين نحن من كل هذا ونحن لا نملك اليوم مثلا مصانع للتمور تعنى بكل ذلك، خاصة بعد إغلاق مصنع التمور بنزوى!
هنا سأنقل إليكم حكاية مسقط وأهلها بقلم الأوروبيين الذين كتبوا عنها منذ أكثر من 400 عام لأضع القارئ العزيز في قلب الحقيقة لصورة مسقط كيف كانت وكيف أصبحت منذ ذلك الحين..
يقول الضابط البرتغالي دوراتي باربوسا (1480-1521م) عن مسقط في عام 1504م: «مسقط بلد كبير يقطنه كثير من الناس يعملون في التجارة وتصدير الأسماك المملّحة والمجفّفة».
أما قائد الاحتلال البرتغالي الفونسو دي البوكيرك فكتب عن مسقط بعد أن دمّرها وأحرق مساجدها وقتل نساءها وأطفالها بجرائم دنيئة بشعة واصفا بعض منتجاتها بالمهمّة: «مسقط الميناء الرئيسي للبلاد، وسوق للجياد والبلح والقمح، وإلى الخلف منها سهل واسع كميدان لشبونة مغطى بالملح».
لقد كانت عُمان صاحبة ثروات بحرية مميّزة خاصة فيما يتعلّق بأجود أنواع الأسماك الذي كان متوفرا بكل سهولة، فقد أشار إلى ذلك في عام 1587م الرحالة البرتغالي بيدرو تكسيرا (1051 - 1641م) الذي كتب وصفا ظريفا بعدما استطاع صيد الأسماك بيده لوفرته فقال: «كان صيد الأسماك عملا سهلا -في مسقط- بحيث لو أن قطة جاءت إلى شاطئ البحر وغمست ذيلها في الماء لاستطاعت أن تجر عددا من الأسماك».
ولا يفوتنا هنا ما كتبه المستشرق الإنجليزي توماس هربرت (1606 - 1682م) عن سفينة مسقط وحمولتها عام 1617م حيث قال: «استولى روبيك على سفينة تابعة لمسقط كانت على بُعد 14 فرسخا وتحمل 42 من الخيول العربية الأصيلة، و154 رجلا من بينهم 48 من البرتغال، والباقون من مسقط».
وبالنسبة للجنسيات التي تقيم في مسقط في عام 1625م فقط وصف ذلك الرحالة الإيطالي ديلا فاليه (1586 - 1652م) وكتب في مذكراته التي سنلاحظ فيها إشارة للوجود البرتغالي بشكل أكبر بعد أن ارتكبوا مذابح عرقية بحق العمانيين في مسقط حيث قال: «يتألف السكان في مسقط من البرتغاليين والعرب والهنود والمسيحيين واليهود، وتوجد كنيستان إحداهما سقيفة يقيم فيها راهب أوغستيني، والأخرى دير لأربعة رهبان»، وأضاف: «وقد تم الاستيلاء على مركب برتغالي تابع لمسقط محمّل بـ 37 من الخيول العربية الأصيلة بالإضافة إلى شحنات البلح وغيرها مما قدّر ثمنه بـ 41470 محمودي».
ومن المهم كذلك أن نلتفت هنا لتقارير شركة الهند الشرقية لعدة سنوات متتالية وما كتبته عن مسقط، ففي عام 1650م ذكر التقرير إشارة إلى تحرير مسقط من الاحتلال البرتغالي في عهد الإمام سلطان بن سيف اليعربي:
«أن إمام عمان أمير صغير وقد استولى على مسقط».
وأشار التقرير كذلك في عام 1651م:
«وصول سفينة إنجليزية لإقناع العمانيين للإفراج عن السيدات البرتغاليات المعتقلات في مسقط إلا أن هذه الوساطة قد فشلت ولم يقبل إمام عمان بها».
وفي عام 1653م أشار التقرير إلى:
«أن إمام عمان كاد أن يستسلم للظروف الاقتصادية القاسية خاصة بعد انهيار وتدهور تجارة التمور مما جعله يقرر التعاون التام مع الهولنديين لتسهيل جميع الموانئ العمانية لهم».
وفي عام 1669م أشار إلى:
«تمكن العمانيون في مسقط من الاستيلاء على إحدى السفن التي كانت تنقل سفيرا ساميا إلى بلاد فارس، ولكنهم أفرجوا عنه وصادروا السفينة».
من ناحية أخرى كتب الكاهن الفرنسي أبي كاري في عام 1674م مشيرا إلى عماني لديه الجنسية البرتغالية حيث كتب:
«أقلعت من كنج على السفينة سانت فرنسيس التي يقودها عربي أسمر جدا من أهالي مسقط تجنس بالجنسية البرتغالية، واعتنق المسيحية».
ولو تأملنا في هذا الحدث لوجدنا بأن البرتغاليين وبعد أن ذبحوا جل أهل مسقط وأرهبوهم بالقوة طوال أكثر من 130 سنة مع نزوح العمانيين إلى الداخل هربا من هذا الجحيم، فلا نستغرب أبدا تأثر البعض واضطراره إلى فعل ذلك.
وهنا من المثير أن نشير إلى شهرة مسقط في تجارة اللؤلؤ الثمين حيث كتب في عام 1675م الرحالة الفرنسي جان باتست تافرنييه (1605 - 1689م) واصفا لؤلؤة الإمام سلطان بن سيف اليعربي: «مسقط مدينة صغيرة، تعد من أحسن مدن شبه الجزيرة العربية، ويحتفظ الإمام بأجمل لؤلؤة شفافة وقد عرضها على ضيفيه حاكم هرمز الذي عرض 2000 تومان لشرائها، وحاكم المغول الأكبر الذي عرض مبلغ 4000 كراون لشرائها أيضا».
وورد ذكر مسقط في عام 1677م من خلال جون فريار بكتاب طبع في لندن عام 1912م بعنوان معلومات جديدة عن فارس والهند الشرقية وفيه إشارة مهمة جدا إلى أن سلطة الإمام سلطان بن سيف اليعربي وصلت في تلك الفترة إلى مكة والحجاز وإشرافه على تسلم التبرعات من أجل ضريح سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حيث يقول التقرير: «الإمام هو الخليفة في الوقت نفسه، وفي كل عام يرسل أمراء الهند إليه نقودا تبرعا منهم لضريح الرسول، وكان التجّار يفدون إلى مسقط من القاهرة ومخا، وفيها تباع كل أنواع العقاقير والخيول وتدفع بالذهب مقابل السلع الهندية، وهناك يحتفظون بالسفن التي يستولون عليها أو يشترونها، وهم قوم أشداء».
ولنقرأ هنا ما كتبه القسيس جي أونجتون عن مسقط وسلعها وأهلها في عام 1696م في عهد الإمام سيف بن سلطان اليعربي (قيد الأرض):
«كانت هناك وفرة في القمح والنبيذ (العنب) والمر والبخور والبلح والذهب واللؤلؤ، وكانت هناك الوديان الخضراء، والسكان نحاف القوام يتميزون بالرجولة وخبراء في استخدام السلاح، وكرماء نحو الأجانب، وأرباب الأسر يعاملون الأطفال والخدم معاملة حسنة، ومعروفون بالكرم والعدل، وقد ثاروا مرة وقاموا بتدمير أحد منازل اليهود الخاصة بصناعة المشروبات الروحية».
أما القبطان ألكسندر هاملتون فقط كتب عن مسقط في عام 1715م كالتالي:
«يعيش الملك شهرا من كل عام في الكاتدرائية التي لا تزال تحتفظ بأبهتها إلا أنه يقضي أكثر الأوقات في نزوى والرستاق وهو يمتلك نحو مئة عبد مسلحين بالبنادق والسيوف القصيرة، وهو يرتدي زيا بسيطا ويتناول طعامه مع أتباعه قعودا على نفس البساط، ولا أثر للمظاهر في المدينة لأن أهلها يمقتون الترف والمظاهر وهم يتميزون بالتواضع، وتصدّر مسقط الجياد والبن والأقمشة واللآلئ». ومن الأمور التي أثارت اهتمام الكسندر هاملتون في مسقط العدالة والحماية التي تحظى بها المرأة العمانية فكتب: «وإذا ما اشتكت زوجة من زوجها بأنه يعذبها فإنه يعاقب بالجلد مئة جلدة ويودع في زنزانة ضيقة لمدة ثلاثة أيام».
وكان لمسقط وأهلها وأهم منتجاتها نصيب من كتابات الألمان فقد ذكرها عالم الخرائط الألماني كارستان نيبور (1733 - 1815م) في تدويناته وقال:
«العمانيون أفضل ملاحي الخليج، فهم يبعثون بنحو خمسين سفينة كل عام إلى البصرة حاملة شحنات من البن إليها، وتنتج مسقط الجبن والشعير والعدس والعنب وتصدّر كميات ضخمة من البلح كل عام إلى الخارج»
كما أشار للأمان وللحرية الدينية التي كان يحظى بها الأجانب في مسقط تحت حماية الإمام العادل مع عبيده وكل رعيته فكتب:
«ويوجد في مسقط عدد أكبر من الهندوس إذ يوجد على الأقل 1200 شخص مع زوجاتهم وهم يعبدون الأصنام ويحرقون موتاهم، ويلتزم الإمام جانب العدالة في معاملة العبيد وبالتالي فإن الأمن مستتب إلى درجة أنه يمكن للأهالي أن يتركوا بضائعهم في الشارع وأبواب منازلهم مفتوحة».
وجدير بالاهتمام أن نقرأ كذلك ما كتبه أحد الضباط الإنجليز عن مسقط في عام 1775م، واسمه هوراشيو نيلسون (1758 - 1805م) حيث قال:
«بدا لي أن مسقط مدينة ذات أهمية تجارية كبيرة، إلا أنها لا توجد بها مستودعات لحفظ السلع، إلا أنها لا تتعرّض للسرقة، وتأتي القوافل من داخلية عُمان محمّلة بريش النعام والجلود المدبوغة، والعسل، والشمع وعند عودتها تأخذ السلع الهندية والبريطانية كاللعب وأدوات المائدة والزنجبيل والفلفل والأرز والطباق والبن والسكر، وكان ملاحو مسقط ينقلون معهم 20000 بالة من البن من مخا للبصرة حيث يعاد نقله إلى القسطنطينية، وفي رحلة العودة كانوا يجلبون المنسوجات الحريرية الفارسية والسجاد واللآلئ وكمية كبيرة من الريالات والعملات الإيطالية».
وهناك إشارة مهمة جدا للتسامح الذي كان يميز عمان أشار إليها سوفيوبوف فريرز عام 1782م في عهد الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي حيث قال:
«رحل الأوروبيون عن جومبرون (بندر عباس) وتوجهوا إلى مسقط نظرا لأهمية موقفها ومرافئها الآمنة ووفرة إنتاجها، وحاكمها يمنح حرية كاملة للتجار لممارسة أعمالهم بحيث أصبحت أهم محطة تجارية في شبه الجزيرة وفارس».
لأختم هنا بهذه الأمثلة بما كتبه بعض الأوروبيون عن مسقط وأهلها وسكانها وأهم بضائعها وأهميتها في طرق التجارة العالمية منذ القدم، لنسأل أنفسنا ما الذي حدث لموانئنا والتي تراجعت كثيرا، لكي نشاهد في هذا اليوم العديد من سفن العالم تطوف حولنا دون توقف وتذهب مخترقة مضيق هرمز لتُنزل بضائعها في موانئ الخليج وتفرغ حمولتها التي تُصدّر لنا فيما بعد!!
ألا هل من مجد عالمي سيعود قريبا لريادة موانئنا؟!

المرجع: عُمان في صفحات التاريخ، روبين بيدويل، ترجمة محمد أمين عبدالله، الطبعة الثانية 2016م، وزارة التراث والثقافة - سلطنة عمان.