«جرينيش» مع البيئة بالفن

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٨/مارس/٢٠١٩ ١٠:١٨ ص
«جرينيش» مع البيئة بالفن

مصطفى عادل

هل تتخيلون أن نعيش في عالمٍ تكون فيه النفايات البلاستيكية أكثر من الأسماك في البحار؟ هذا ما تزعم التقارير الأخيرة أنه سيحدث بحلول عام 2050 إذا لم يضع البشر حدًا لهذه المشكلة، إذ يُقدِّر برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن هذا المعدل سيرتفع ليصل إلى إلقاء ما يعادل حمولة شاحنة واحدة من النفايات البلاستيكية في المحيط كل دقيقة.

تُعد هذه الأرقام مخيفة لأن البلاستيك يخرب توازن الطبيعة بشكل خطير، وتكمن الخطورة الأكبر في أن البلاستيك يطلق مواد كيميائية سامة في مياه البحار والمحيطات التي تستهلكها الأسماك التي يتناولها البشر في نهاية المطاف.

وبينما تواجه الأرض هذه المشكلة الخطيرة- مع اتخاذ القليل من الإجراءات للتصدي لها- هناك من يحاول البدء في إيجاد الحل على نطاق أصغر قد يؤدي في النهاية إلى تحقيق التأثير المتسلسل الذي تحتاج إليه المنطقة.

شادي عبدالله (27 عامًا) وشريكه الراحل مدحت بنزهير- الذي وافته المنية العام الفائت عن عمر يناهز 28 عامًا- هما شابان مصريان كانا يعملان في شركات متعددة الجنسيات، وقررا قضاء نوعًا مختلفًا من العطلات في إحدى السنوات. فبدلًا من السفر إلى أحد المنتجعات السياحية مثلًا، قرر الشابان التطوع بوقتهم والتوجه إلى المجتمعات المهمشة لإلقاء محاضرات توعوية عن البيئة. ولم يستغرق الأمر وقتًا طويلًا ليدرك الشابان أن هذا هو حلمهما المنشود.

وبعد مرور عام، ترك الشابان وظيفتيهما ليؤسسا شركتهما «جرينيش».
وقال شادي عبد الله، الرئيس التنفيذي والشريك المؤسس لشركة جرينيش: «شعرنا أن وجود محتوي تعليمي عن البيئة أمر مهم للغاية، ولم يكن هناك أحد يقدم هذه الخدمة».
وأضاف شادي: «بدأت الشركة بهدف واحد، وما زال هو هدفنا حتى يومنا هذا، وهو تنمية الوعي البيئي بين الناس ونشر ثقافة الاستهلاك المسؤول».
كان النهج الذي اتبعته جرينيش لنشر الوعي البيئي غير تقليدي بعض الشيء؛ حتى لا يصاب الناس بالملل من الجوانب الفنية للمشروع، وخاصةً بالنظر إلى أنهما بدآ مع الأطفال باعتبارهم الشريحة المستهدفة الرئيسية. لذلك قرر الشابان استخدام الفن لنشر رسالتهما.
وأردف شادي قائلًا: «بدأنا في استخدام المسرح والفنون البصرية لنشر المعرفة حول البيئة؛ لأننا لم نكن نريد تلقين المعلومات للأطفال».

ولجذب المزيد من الشركاء والتوسع أكثر، كان الشابان بحاجة إلى نهج واقعي للتأكد أن عملهما لا يضيع هباءً.

وتابع شادي قائلًا: «عندما نذهب إلى مكان جديد، نتعاون دائمًا مع كيانات أو مجموعات. إذ إنها الطريقة الوحيدة لتمكين المجتمع المحلي، من خلال التعامل مع جهة ناشطة بالفعل وتًعد جزءًا من هذا المجتمع».

ويحرص فريق جرينيش على عقد ورش عمل وأنشأ كتيبًا عن موادهم التعليمية. وستركز جولاتهم القادمة في جميع أنحاء مصر على تدريب المدربين، إذ يتيحون الفرصة للجهات التي يتعاونون معها لعقد ورش العمل بدلًا منهم.
وأوضح شادي قائلًا: «نحن ننمو بفضل هذا التعاون. لا نريد أن تكون جرينيش في كل مكان، بل نريد أن يكون هناك سفير لجرينيش في كل مكان».
وخلال رحلتها لتوعية الناس حول البيئة، ذهبت جرينيش إلى أماكن غير متوقعة. إذ قررت الشركة تنظيم أول فعالية لها في الإسكندرية كتجربة لتنظيف أحد شواطئ المدينة، وفوجئ أعضاء فريق جرينيش بتطوع 500 شخص للمشاركة في هذه الفعالية من الساعة الثامنة صباحًا. ثم جاء التعاون مع مبادرة «فيري نايل» لتنظيف مياه نهر النيل، وهي المبادرة التي شهدت تقديم 3500 طلبًا للمشاركة خلال أسبوعين.
مع ذلك، لا يقتصر نشاط جرينيش على مبادرات التنظيف والوعي البيئي فحسب. إذ يصف شادي جرينيش بأنها «مختبر مشروعات» تخضع الشركة من خلاله للتجارب. على سبيل المثال، يدرس فريق العمل حاليًا فكرة تصنيع منتجات مثل الأساور والأحذية باستخدام النفايات التي تُجمع من النيل.
وفي الوقت ذاته، تهدف شركة مشنّة- وهي شركة تابعة لجرينيش- إلى تزويد الأشخاص المهتمين بالبيئة ببديل لاستخدام البلاستيك. يمكن للعملاء الولوج إلى التطبيق وطلب توصيل منتجات البقالة الطبيعية 100% ودون أي تعبئة أو تغليف بالبلاستيك.

وتدعم مشنّة البائعين والأسواق المحلية من خلال شراء المنتجات من الأسواق الشعبية بدلًا من المتاجر الضخمة.

ويدرك شادي- الذي يهدي مشروعات شركته الآن إلى روح شريكه مدحت- أن حظر استخدام البلاستيك يُعد هدفًا طويل المدى.

واختتم شادي حديثه قائلًا: «لا نريد أي استخدام للبلاستيك في مصر، لكن لا بد أن تكون هناك حلول مستدامة للناس؛ لأننا لا يمكننا أن نطلب منهم التوقف عن استخدام البلاستيك فجأة. ولهذا السبب تُعد جرينيش مختبرًا مستدامًا لهذه الحلول. ونأمل ذات يوم أن يمكننا القول أن لدينا مليون حل مستدام وأن الوقت قد حان لحظر البلاستيك».