الملاذ الآمن لاقتصاد متنوع

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٠/مارس/٢٠١٩ ١٥:٤٩ م
الملاذ الآمن لاقتصاد متنوع

محمد بن محفوظ العارضي

رغم الجهود الجيدة المبذولة خليجياً وعربياً لتعزيز الشمول المالي باعتباره أحد المسارات المهمة لتنويع الاقتصاد، وواحداً من الملاذات الآمنة للوقاية من التقلبات الاقتصادية الحادة، إلا أن الدول العربية مازالت في المنطقة الدنيا لسلم الشمول المالي عالمياً، وفقاً لتصنيف صندوق النقد الدولي، وهو ما يتطلب ضرورة تصحيح مسار هذه الجهود عبر خطط شاملة لا تغفل طبيعة المجتمعات من جهة، ولا التحديات القائمة المتعلقة بالقطاع المصرفي والتمويل وطرق تحفيزه من جهة أخرى.
وللتبسيط، فإن الشمول المالي بمفهومه الواسع هو تمكين الأفراد والشركات الناشئة من الوصول إلى منتجات وخدمات مالية مفيدة وبأسعار مقبولة تلبي احتياجاتهم، على أن يتم تقديمها لهم بطريقة تتسم بالمسؤولية والاستدامة. ومنذ عام 2010، تعهدت أكثر من 55 دولة حول العالم بتحقيق الشمول المالي، وقامت نحو 30 دولة بإطلاق أو إعداد استراتيجية وطنية بهذا الشأن. ووفرت البلدان التي حققت أكبر قدر من التقدم نحو الشمول المالي بيئة تنظيمية وسياسية مواتية، وشجعت المنافسة التي تسمح للبنوك والمؤسسات غير المصرفية بالابتكار وتوسيع الوصول إلى الخدمات المالية.

وتوصيفاً لجانب مهم من التحدي الذي يواجهه الشمول المالي عربياً، فإن هناك انحساراً لافتاً في التمويل الممنوح للشركات الصغيرة والمتوسطة والتي توفر حالياً نحو نصف الوظائف المتاحة، ولديها القدرة والمرونة الأكبر على خلق المزيد من الوظائف مقارنة بالقطاع الحكومي أو شبه الحكومي، وحسب أحدث بيانات صندوق النقد الدولي فإن 96 % من الشركات المسجلة في الدول العربية هي مؤسسات متوسطة وصغيرة، وتوظف نحو 50 % من العاملين بالمنطقة، ولكن نصيبها من التمويل لا يتخطى 7 % فقط من التمويل.
وعلى الرغم من تزايد إقرار صناع السياسات ومتخذي القرار بأهمية الشمول المالي، وخصوصاً ما يتعلق بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة، إلا أن الواقع يكشف عن تحديات متعددة يواجهها أصحاب هذه المشروعات، بعضها يتطلب تهيئة البيئة التشريعية والتمويلية المحفزة، وبعضها الآخر يتطلب تعديلات في القوانين القائمة المتعلقة بالإفلاس وعمليات التخارج وإلزام الجهات الحكومية بقواعد محددة لدعم هذه المشروعات.
وعلى الجانب الآخر، لا يمكن النظر إلى القصور النسبي لعمليات الشمول المالي عربياً وخليجياً من وجهة النظر المالية والاقتصادية فقط من دون الأخذ في الحسبان مسألة الثقافة السائدة بين أفراد المجتمع ومدى استعدادهم لإطلاق وإدارة وإنماء مشاريعهم الخاصة، وهو الأمر الذي يتطلب بدوره جهوداً مضاعفة لإعداد أجيال جديدة من رواد الأعمال، أو إعادة تأهيل الراغبين في خوض التجربة من أصحاب الوظائف الحكومية القائمة، أو حتى الباحثين عن وظيفة ممن لا تجد مؤهلاتهم أو مهاراتهم رواجاً في أسواق العمل، فمن غير المنطقي أن تسعى الجهات المعنية بالشمول المالي إلى خلق الفرص المواتية لأفراد لا يتمتعون بالمؤهلات ولا الجهوزية ولا الرغبة في التحلي بروح الريادة لتأسيس مشاريعهم الخاصة.
ولا شك أن تحسين الشمول المالي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة يسهم بشكل مستدام في زيادة النمو الاقتصادي، وخلق فرص العمل، وتعزيز فعالية السياسات المالية والنقدية، وقد يساهم أيضا في تحقيق الاستقرار المالي. وهناك منافع محتملة كبيرة على وجه الخصوص في المنطقة العربية، فقد يرتفع معدل النمو الاقتصادي السنوي، في بعض الدول، بنسبة تصل إلى 1 %، حسب صندوق النقد الدولي.
وخليجياً، فإنه ما من شك في أن تحسين الشمول المالي سيكون له دور محوري في زيادة الاستقرار الاقتصادي الكلي، وتقليص حجم القطاعين الحكومي والعام، وهو ما يصب بدوره في تجنب مزاحمتهما المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الحصول على الائتمان، وسلامة القطاع المالي، وتوفير نظام مصرفي تنافسي، وبصورة أعم، اقتصاد تنافسي ومفتوح قادر على إعطاء دفعة لاستثمارات المشروعات الصغيرة والمتوسطة وزيادة طلبها على الائتمان، ولضمان المزيد من الفعالية في هذا الاتجاه، فإنه من الضروري استحداث أو تفعيل نظم الحوكمة والقدرات التنظيمية والرقابية المالية، وتوافر المعلومات الائتمانية، وبيئة الأعمال المواتية، بما في ذلك أطر الضمان والإعسار الحديثة، والنظم القانونية التي تسمح بإنفاذ حقوق الملكية والعقود بالدرجة الكافية.
وبالتوازي مع ذلك، يجب العمل على خلق قنوات بديلة يمكنها تيسير زيادة فرص حصول المشروعات الصغيرة والمتوسطة على التمويل، عبر دعم المعروض من الائتمان المصرفي، وتحفيز أسواق رأس المال إلى القيام بمثل هذا الدور في مختلف مراحل تطور المشروعات الصغيرة والمتوسطة. وبالمثل، بإمكان التكنولوجيا المالية العمل على خفض القيود على الائتمان المصرفي وفتح قنوات جديدة لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وهي أمور قطعت فيها معظم البلدان الخليجية أشواطاً كبيرة، ولكنها تحتاج إلى المزيد من التفعيل والتحفيز.
والخلاصة أن تحسين وترسيخ الشمول المالي خليجياً وعربياً لا يزيد من قدرة الاقتصادات الوطنية على خلق فرص العمل ولجم مشكلة البطالة، وتحسين الأحوال المعيشية ورفع مستوى دخول المواطنين، فحسب، ولكنه يعزز – على المدى الطويل – من المرونة والقدرة على مواجهة أي أزمات اقتصادية محتملة.

رئيس مجلس الإدارة التنفيذي في إنفستكورب، رئيس مجلس إدارة بنك صحار