أبو صفرة العماني وبطولاته مع الخلفاء الراشدين في الفتح الإسلامي

بلادنا الخميس ٢١/مارس/٢٠١٩ ١٢:٥٢ م
أبو صفرة العماني وبطولاته مع الخلفاء الراشدين في الفتح الإسلامي

إعداد: نصر البوسعيدي
بعد معارك دامية انتشر الخبر بين الجيش الإسلامي أن العماني أبو صفرة قد تمكن بشجاعته من اقتحام الصفوف وقتل شهرك قائد جيش يزدجرد ملك بلاد فارس..
لم يكن هذا الخبر غريبا على خليفة المسلمين عمر بن الخطاب الذي بعدما تولى الخلافة اهتم كثيرا بالفتوحات الإسلامية وخاصة ناحية العراق وبلاد فارس وأواسط آسيا، كان همه الأول هو القضاء على شوكة الفرس وقوتهم التي كانت تمنع من انتشار الإسلام في تلك النواحي التي يسيطرون عليها.
ولثقة الفاروق بأهل عُمان، وهو من يرحب بهم خير ترحيب كلما نزل العماني إلى أرض الحجاز ويخبرهم دوما بسعادة عن حب رسول الله لعمان وأهلها من لم يخذلوه في دعوته ودخلوا دين الإسلام طواعية دون أي خصام مع حبيبنا المصطفى، فقد كان من المنطق جدا أن يعتمد عليهم في خطة الفتوحات الإسلامية ناحية العراق وما حولها نحو أواسط آسيا، فهو يعلم تماما بأن العمانيين يستطيعون الإبحار نحو الخليج وبلاد العراق وفارس حاملين معهم الجيش الإسلامي من خلال الأسطول العماني بالإضافة إلى قوتهم العسكرية المنظمة المتمثلة في أزد عُمان والتي كانت في محافظة مسندم وتحديدا في دبا بقيادة (أبوصفرة ظالم بن سراق بن صبح بن كندي ابن عمرو بن عدي بن وائل بن الحارث بن العتيك الأزدي) الذي يقال انه التقى بعد إسلامه برسول الله وهو الذي لقبه بأبي صفرة ليستبدل اسمه الجاهلي فقال له صلى الله عليه وسلم : «أنت أبو صفرة دع عنك سارقا وظالما».
ولقد كان أبو صفرة من جملة الوفد العماني الذي ترأسه سليل ملوك عُمان عبد بن الجلندى والذي ذهب لتقديم واجب العزاء في المدينة لأبي بكر والصحابة أجمعين في وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو صفرة هو المتحدث نيابة عن الوفد لمكانته الرفيعة وفصاحته، فخطب في حضرة الصحابة وخليفة المسلمين ليرد الخليفة أبو بكر الصديق ويثني على أهل عُمان وسيرتهم الحسنة مع نبي الله، ومن ثم طلب من العمانيين مساندته في حروب الردة ومقارعة أزد الشام من آل جفنة (الغساسنة)، وبالفعل قاد العماني عبد بن الجلندى العمانيين والصحابة وتوجهوا لمحاربتهم والتحم الجيشان وبرز أبو صفرة كعادته وعادة صحبه بكل شجاعة وقوة فانهزم الغساسنة وعاد الجيش الإسلامي منتصرا ومحققا أهدافه في إخماد حركات الردة التي واجهها أبو بكر الصديق بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام، ليعود الوفد العماني للبلاد بعدما وجد كل الحفاوة والشكر من أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وكبار صحابة رسول الله.
وعطفا على الأحداث التي صاحبت خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد وفاة أبو بكر الصديق، وخاصة صراعه مع العجم والقوى التي كانت تحد من توسع الفتوحات الإسلامية، فقد قرر أن يرسل جيشه إلى العراق وبلاد فارس، فأمر قائده وواليه على عُمان (عثمان بن أبي العاص الثقفي) أن يطلب من العمانيين المساهمة في الفتوحات والقضاء على قوة العجم خاصة حينما سمع الخليفة أن الفرس بعد معركة جلولاء وهزيمتهم يعدون العدة مرة أخرى للمواجهة واحتلال مكاسب المسلمين في العراق.
لذا أرسل الفاروق رضي الله عنه برسالة عاجلة إلى ملوك عُمان (جيفر، وعبد) أبناء الجلندى يطلب مساندتهم للفتح الكبير، وبالفعل تم جمع الجيش العماني بقيادات الأزد ومنهم أبو صفرة، وكان مجموعهم ما بين ألفين إلى ثلاثة آلاف مقاتل تجمعوا في جلفار القاعدة العسكرية الشمالية لعمان، فحملتهم الأساطيل العمانية وتوجهوا إلى ممتلكات بلاد فارس فكانت أول المحطات جزيرة (كاوان)، وسلمها واليها للمسلمين بسلام، وهنا قام يزدجرد ملك العجم بإرسال جيشه الذي خرج من (كرمان) للتصدي للجيش الإسلامي فكانت معركة عظيمة في جزيرة (جاسك) بالقرب من هرمز الإيرانية، وانتصر العرب وقتل قائد العجم وتم الاستيلاء على الجزيرة فكانت ضربة موجعة للملك (يزدجرد) والذي بدوره أعد جيشا آخر أكثر عددا وسلاحا ويقال تجاوز الثلاثين ألفا بقيادة (شهرك)، فكانت معركة دموية بين الطرفين برزت فيها شجاعة أزد عُمان وأزد البحرين ليستطيع أبو صفرة من اختراق الصفوف والتوجه مباشرة لقائد العجم شهرك ويرديه قتيلا وشاركه بذلك مثلما تذكر المصادر التاريخية رجل يدعى (ناب بن ذي الجرة الحميري).
وبعد مقتل شهرك تقهقرت جيوش العجم وانهزمت وتم أسر من أسر، وغنم المسلمون غنائم كثيرة وبدأت الفتوحات تسير وفق ما خطط لها الخليفة عمر بن الخطاب والذي سر كثيرا حينما علم ببسالة العمانيين وقائدهم أبو صفرة فعلا مقامهم وكبر صيتهم وأصبحوا خير من يعتمد عليه جيش المسلمين في تلك الأنحاء، لذلك طلب منهم بعد ذلك عمر بن الخطاب الإقامة في العراق وتمصير البصرة التي انتقل إليها أبو صفرة وأبناؤه ومنهم المهلب الذي ذاع صيته بعد أبيه وأصبح من اشهر القادة العرب الذين ساهموا كذلك في الفتوحات الإسلامية بأواسط آسيا والقضاء كذلك على الأزارقة.
وكان أول عماني قدم إلى البصرة هو كعب بن سور الذي أصبح قاضي البصرة بأمر من الفاروق عمر بن الخطاب لعلمه وكفاءته وزهده، ومن ثم تبعه أبو صفرة ومعه أكابر أزد عُمان وأهلها الذين استوطنوا حيا من أحياء البصرة تم تسميته بحي الأزد.
وحينما تم اغتيال الخليفة عمر بن الخطاب، وتولى سيدنا عثمان بن عفان الخلافة رضي الله عنهم أجمعين، واصل العمانيون بقيادة أبو صفرة وأصحابه المشاركة في الفتوحات الإسلامية، لذا نجد أن أبي صفرة مشارك ومتقدم هو وأصحابه في جيوش عبد الرحمن بن سمرة القرشي بعدما استطاع جلب 100 فرس و100 ناقة أتى بها من موطنه عمان من أجل المشاركة بها في هذه الفتوحات تجاه خرسان وما حولها، ليحقق نصرا كبيرا برفقة أصحابه ويوطد الفتح الإسلامي في أواسط آسيا.
ولكن هذه الفتوحات توقفت لبرهة من الزمن بعد فتنة اغتيال سيدنا عثمان بن عفان وانقسام المسلمين في حادثة فتنة حرب الجمل ومذبحة النهروان، وغيرها من الفتن التي عصفت بالمسلمين من أجل الصراع على السلطة.
كان أغلب أزد عُمان في البصرة غاضبين من تلك المآسي التي حدثت والتي ذهب ضحيتها الآلاف من البشر ومنهم أصحابهم خاصة بالنهراون وبالتالي فقد انسحب الكثير من الأزد عن سيدنا علي بعدما كانوا يحملونه مسؤولية قتل أهل النهروان، فلجأ سيدنا علي بن أبي طالب إلى أبي صفرة العماني من أجل المشورة والصلح وشاكيا من الخصام الذي حدث بينه وبين الأزد، ليتعاطف معه أبو صفرة الذي قال لعلي بن أبي طالب: والله لو كنت حاضرا يا أمير المؤمنين لما اختلف عليك من قومي سيفان.
لذا لن نستغرب أبدا حينما نرى أن سيدنا عليا بن أبي طالب يثق ثقة كبيرة بأبي صفرة ويشكو له لمكانته وثقة قومه به واعتزاله الفتن والصراعات التي نشبت بين المسلمين وكأن العماني اليوم هو امتداد عماني التاريخ والأمس في الثبات على المبادئ والبعد عن كل ما يفرق.
ومن ناحية أخرى أكرم علي بن أبي طالب أبا صفره فولاه نهر تيري ومناذر الكبرى ليشرف على إداراتها، بالإضافة إلى انه طلب منه أن يرشح له أحدا من أبنائه لينادي بلواء الصلح والاتفاق لكل من اختلفوا معه وهربوا من البصرة للبادية.
فلبى أبو صفرة نداء الواجب مباشرة بمخاطبة أبنائه على ذلك، وبدأ بابنه النجف الذي رفض هذه المهمة احتجاجا على ما بدر من سيدنا علي في معركة النهروان، ثم توجه أبو صفرة لابنه المهلب الذي قبل الدعوة للم الشمل والسير بالصلح مساعدا ومساهما مع والده بحمل رسالة علي بن أبي طالب لكل خصومه من أجل العودة للبصرة ونبذ الخلافات وكل ما حدث.
ولأن أبا صفرة وابنه المهلب لهما مكانة كبيرة في قلوب أهل البصرة بشكل عام وليس الأزد فقط، فقد استطاعوا توحيد المسلمين في تلك الأنحاء تحت راية خليفتهم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه والذي تم اغتياله بحادثة مأساوية كانت من سلسلة الفتن التي تعرضت لها الأمة الإسلامية.
فعاد أهل البصرة تحت لواء الهلب ووالده أبي صفرة، وظلت البصرة بأزد عُمان منارة تستقطب الكثير من العمانيين كجابر بن زيد وابن دريد والخليل بن أحمد الفراهيدي وغيرهم ممن هاجروا للبصرة وأصبحوا من خيرة علماء المسلمين فيها، ويستمر أبو صفرة وابنه المهلب وأحفادهم في خدمة الدولة الإسلامية بالعهد الأموي خاصة، فبعد وفاة أبو صفرة واصل المهلب ما بدأه والده من قوة وشجاعة في خدمة الدولة الإسلامية وأصبح أكثر القادة شهرة بالفتوحات الإسلامية وترسيخ حكم الخلافة الأموية في نواح كثيرة من دول آسيا، بالإضافة إلى أعماله الجليلة هو وأبناؤه في القضاء على ثورة وتمرد الأزارقة بعد صراع دام لسنوات لينقذ أهل العراق وسلطة الدولة وتصبح البصرة في عهده تسمى بصرة المهلب، ويصل الإسلام بفضل بسالته إلى أواسط آسيا ناحية أوزبكستان وما حولها.

المرجع:
1 – الأنساب ، أبي المنذر سلمة بن مسلم العوتبي الصحاري ج2، تحقيق د.محمد إحسان النص، الطبعة الخامسة2016م، وزارة التراث والثقافة – سلطنة عُمان.
2 – عُمان عبر التاريخ ج1 –ج2، سالم بن حمود بن شامس السيابي، الطبعة الخامسة2014م، وزارة التراث والثقافة – سلطنة عُمان.