إرهابيون جدد على خطى داعش

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٤/مارس/٢٠١٩ ٠١:٥٣ ص
إرهابيون جدد على خطى داعش

أحمد المرشد
ربما أكون صادما إذا تحدثت عن واقعة الإرهاب الأبيض التي شهدتها مدينة كرايست تشيرش النيوزيلندية الهادئة بصورة تتناقض مع الطريقة التي رصد بها مراقبون عرب كثيرون تلك الحادثة الإرهابية البشعة، فالواقعة ليست جديدة على المسلمين والعرب فهي متكررة، وعلي سبيل المثال واقعة دهس مسلمين لحظة مغادرتهم مسجدا في شمال لندن رمضان قبل الفائت، وغيرها من حوادث الإسلاموفوبيا التي تنتشر في الغرب والولايات المتحدة، ولكن عيبنا النسيان حتي تباغتنا واقعة جديدة لنعلن بعدها بيانات الشجب والإدان وهي محفوظة عن ظهر قلب.
واقعة نيوزيلندا مأساة حقيقية تنم عن أحقاد دفينة لدي الجنس الأبيض الذي يري في نفسه أنهم أخيار العالم وعليهم مسؤولية السيطرة عليه والقضاء علي ما دونهم من بشر وعرقيات وأديان أخري، وهؤلاء واهمون في اعتقادهم فليس الجنس الأبيض صاحب فضل علي البشرية ولا هم أصحاب ريادة في مجالات العلوم والرياضيات والطب والفكر والفلسفة، فشواهد التاريخ وحقائقه تثبت بيقين بالغ أن أبناء الجزيرة العربية وكل من هو مسلم هم أصحاب النهضة العلمية في العالم، فالعرب سادة العالم القديم وانتشر علمهم وثقافاتهم وعلومهم مع موجات الفتح الإسلامي القديم. وبالتالي ليس صحيحا أن أصحاب البشرة البيضاء هم الذين صنعوا حضارات العالم، حتي وإن كان أصابنا الوهن وتراجعنا في الآونة الحديثة واعتمدت مناهجنا العلمية والفكرية علي الغرب وعلمائه ومفكريه.
كانت هذه بداية ضرورية لقراءة أحداث واقعة مسجدي كرايست تشيرش التي حولت المياه الراكدة وتحفزنا علي ضرورة إعادة دراسة تاريخنا وماضينا للنهوض بحاضرنا ومستقبلنا، كذلك ردا علي طريقة تفكير الإرهابي الأسترالي برينتون تارانت الذي صاح وقت ارتكاب جريمته قائلا: «أهلا باللاجئين في الجحيم نحن قادمون إلى القسطنطينية وسنهدم كل المساجد»، ودعا الي قتل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي رحبت باستقبال لاجئين من سوريا هاربين من نيران وجحيم الحرب الأهلية في بلدهم.
الخوف كل الخوف أن يكون هذا الإرهابي نواة لجماعات إرهابية عنصرية سرية أخري في أوروبا وأستراليا وكندا وأمريكا، وهنا ستندلع حروب دينية لن يستطيع أحد ايقافها، فالتحريض الديني من أشد أنواع التحريض في العالم، خاصة وأنه ينبع بسبب العقيدة ذاتها حيث يري كل منتم لدين معين أنه صاحب الحق في الحياة علي أن يذهب غيره الي الجحيم، وهذا ما اتضح من رسائل الإرهابي تارانت الذي بث عشرات الرسائل الإرهابية عبر موقع «االفيسبوك» وبث فيها سمومه حيال المسلمين محذرا من مصير أسود ما لم يغادروا استراليا ونيوزيلندا وأوروبا.
وقد أعود هنا للوراء أسابيع قليلة وتحديدا عندما نظمت مصر في أواخر الشهر الفائت القمة العربية – الأوروبية، التي ناقشت قضيتي الهجرة والأمن باعتبارهما أهم التحديات المشتركة التي تواجه الجانبين فى ظل التطورات التي فرضتها الأزمات التي عانتها بعض دول المنطقة وتسببت في حالة من عدم الاستقرار انعكست بدورها على الواقع الأوروبي، وكان أبرز آثارها طوفان اللاجئين والمهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين الذين تدفقوا على السواحل الأوروبية بصورة غير مسبوقة، الأمر الذي أوجد حالة من الجدل الشديد والخلافات المستمرة داخل مجتمعات أوروبا بسبب هذه الظاهرة. وكانت فيدريكا موجيريني المنسقة العليا للسياسة الخارجية الأوروبية قد أكدت علي هامش هذه القمة أن ما يحدث في العالم العربي يؤثر على أوروبا والعكس صحيح، وأنه يتعين علي العرب والأوروبيين البحث عن حلول مشتركة للتحديات القائمة خاصة فى ظل وجود مخاوف وقلق أوروبي حقيقي من ملف اللاجئين الذي يؤثر في ملف الأمن بالتبعية..ولكي أوضح سبب إشارتي لهذه القمة، ربما أعود الى أبرز دوافع تارانت في ارتكاب جريمته العنصرية، وهو دعوته الي وقف هجرة المسلمين الى الغرب وأقصي الشرق في بلاده وأمريكا، فهو يسمي موجات الهجرة «غزوا» وفي موضع آخر يصفها بـ»الإبادة الجماعية للبيض»، وهنا يبرر جريمته بأنها انتقاما لملايين الأوروبيين الذين قتلهم الأجانب عبر التاريخ وآلاف الأوروبيين فى هجمات إرهابية على الأراضي الأوروبية.
كما وأشير هنا الى تقرير أمريكي منصف عن واقعة نيوزيلندا الإرهابية حيث استطلع أراء بعض الخبراء الإمريكيين حولها وطالب جميعهم الدول الغربية بضرورة حماية مواطنيها من إرهاب «اليمين المتطرف» أو «إرهاب البيض المتطرفين»، وكذلك وضع هؤلاء في سلة واحدة مع «الداعشيين» وأطلقوا عليهم «الداعشيون البيض»، فكلاهما يتشابهان في الكراهية والقتل. ونقل التقرير عن بي دبليو سنجر، خبير في الإرهاب في مركز «نيو أمريكا» ومقره واشنطن، تحذيره من تنامي عمليات التطرف اليميني داخل الولايات المتحدة وضرورة عدم تجاهل ما يمثل تهديدا إرهابيا حقيقياً قد يسفر عن مقتل المزيد من الأمريكيين، حيث أصبح صعود الجماعات الوطنية المتطرفة، ظاهرة يجب أن تؤرق الأمن الأمريكي.
لقد أثبتت جرائم الإسلاموفوبيا إن الإسلام برئ من تهم الإرهاب التي يحاول أن يسبغها الغرب علي ديننا الحنيف، فما جري في كرايست تشيرش ما هو سوي الوجه الأكثر بشاعة للإرهاب اليميني المتطرف والعنصري اللعين، وعلي الضمير العالمي سرعة التحرك لمواجهة الإرهاب أيا كانت مسبباته ودوافعه وأفكاره المتطرفة التي تحض علي الكراهية والعنف والقتل، فمن قتل إنسان كمن قتل البشرية جمعاء، ويكفي أننا لم نطلق علي الإرهابي الأسترالي وصف «إرهاب مسيحي» لأن المسيحية أيضا دين سماحة وبريئة من امثال هؤلاء.

كاتب ومحلل سياسي بحريني