حرب الإشاعات

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٢/أبريل/٢٠١٩ ١٢:٢٩ م
حرب الإشاعات

محمد الراسبي
يحكى أن هناك قبيلة عينت شخصا كمستشار لها ومع مرور الوقت أصبح هذا الشخص عراف تلك القرية ويعتمدوا عليه وتصديق كل ما يتنبأ به. ذات مرة سألته القبيلة عن الشتاء المقبل هل سيكون باردا فرد عليهم انه بارد فنصحهم بجمع الحطب استعدادا له. كان لدى ذلك العرّاف شخص يعرفه في الأرصاد الجوية بمركز التنبؤات فاتصل به ليأخذ المعلومة الصحيحة من عنده فاخبره أننا نتوقع شتاء باردا، عليه ذهب العراف لقبيلته ليؤكد على ما قاله بل اخبرهم بأن يجمعوا الكثير من الحطب لأنه يتوقع بردا قارصا. تحرك افراد القبيلة فجمعوا مزيدا من الحطب حسب نصيحة العراف بل توجهوا الى القرى المجاورة لجمع الحطب استعدادا للشتاء المقبل.

رجع العراف لصاحبه في الارصاد الجوية لكي يطمئن ويسأله هل فعلا سيكون الشتاء المقبل باردا كما اخبره سابقا فرد عليه بل متوقع أن يكون باردا جدا جدا على غير العادة فسأله العراف مستغربا: من أين لكم هذه المعلومات الدقيقة وكيف عرفتم انه بارد جدا؟! فرد عليه قائلا : انه من خلال أفراد القبيلة الفلانية والذين بدأوا يجمعون حطبا كثيرا استعدادا للشتاء.

هكذا هي الإشاعة تنتشر وتتغلغل بين المجتمعات ومن الصعب السيطرة عليها خاصة اذا واكبت أحداثا تتناسب مع ما يدور في الساحة، حيث يكون السبق في النشر حتى قبل اكمال محتوى الخبر ومن يتلقف تلك الاخبار المتداولة ويصدقها هم من فئة السذاج والذين يبحث عنهم مصدرو الإشاعات والأخبار الكاذبة والملفقة وتصبح في نظرهم حقيقة.

قد تتنوع الإشاعات حسب أهدافها ما قد تستفيد منه شركات الاتصالات ذاتها في تداول الخبر مثل أن تستلم رسائل (على سبيل المثال لا الحصر) تفيد أن الفيلم الفلاني الذي حاز على مليونين متابع خلال يومين او مثلا صوت لصالح بناء دار عبادة، او صوت ضد هدم دار عبادة في دولة ما وهكذا.. مما يشجع ويحمس المتلفي بسرعة التجاوب وتحويلها الى عشرات المضافين، فلك ان تتخيل هذه الرسالة يتداولها مئات الآلاف خلال دقائق فكم هي حصيلة تداول ذلك الخبر لمصلحة لشركات الاتصالات فضلا عن انه تم تحقيق هدف المرسل الأصلي لذلك الخبر من خلال التجاوب السريع والسبق في النشر دون التمعن في معنى أو فحوى أو اهمية ما ينشر. ليست هناك اشاعة عفوية بل هناك من يتعمدون تصدير إشاعات تتجه سهامها في جميع الاتجاهات مستغلين المجتمعات الخصبة وعدم فلترة تلك المجتمعات لأي خبر والتحقق من مصداقيته وبمجرد قراءته تتم إعادته وتداوله بل وتدويره حتى يصل لأكبر شريحة في المجتمع وهنا يكون التظليل. لا يخفى على حد أن خلف كل خبر هدف سواء كان حقيقيا ام اشاعة ومن يبدأ بنشر تلك الإشاعات هم من المتخصصون في ذلك سواء كانوا افرادا او منظمات او دول تعمل ليل نهار في تجييش أشخاص يعملون لصالحها ولكل خبر او إشاعة ينتظر منه نتيجة ما على إثرها تأتي المتابعة من قبل الناشر والنتائج المرتجاة من تلك الاشاعات الموبوءة لكي تحقق اهدافا لا يعلمها سوى من نسجها وحبك محتواها لتتصدر وسائل التواصل الاجتماعي.
وهناك الإشاعات التي تلفت وتشتت انتباه الشعوب وتوجيههم عكس ما يفكروا فيه وإبعادهم عن الواقع الذي يعيشوه لكي يظلوا مشغولين او على الأقل مبتعدين عن ما يؤرق صانعي القرار في حالة ان كانت هناك أزمة ما وجعل الخبر الجديد وتداوله حديث الساعة مما يلفت وصرف الانتباه الى شيء آخر. إن اهم وأخبث الإشاعات وأخطرها هي الحرب العشوائية والتي تشنها بعض الدول أو الأشخاص على دول أخرى في جميع الاتجاهات بهدف تقويض الأمن واخلال أركانه وتشويه السمعة ودس السم تلو السم في منابر مختلفة وقنوات متعددة من منصات التواصل الاجتماعي والتي اصبحت جزءا من مصدر الخبر ومغذي للقنوات الإعلامية الأخرى كمؤشر لردود الأفعال والتفاعلات في كل خبر مهم يتم تداوله.
مثل هذه الحرب (حرب قنوات التواصل الاجتماعي) والتي ليس فيها هوادة عندما تستخدم فيها جميع الأسلحة من هجوم كلامي او كتابي غير بريء واستخدام جميع الحيل والمكر والخداع وتزوير الحقائق وتجيش افراد لضرب المجتمعات ببعضها البعض والتي قد ينشأ عنها حروب وفتن واقعية ان لم يفطن لها ويتعامل معها اي مجتمع محلي بحرص ويقظه ووعي وتتبع مصدرها واجتثاثها.
نود أن نرى مركزا خاصا لرصد الشائعات والتصدي لها ومعالجتها ومكافحتها مثلها مثل غيرها من مراكز الرصد لدينا كمركز رصد الزلازل والأحوال الجوية وغيره لان زلزال الإشاعة وخاصة الإشاعات المتعمدة والأخبار الملفقة المرسلة والمبفركة عمدا عمدا تكون عواقبها غير محمودة وخاصة إذا كان لها أهداف إستراتيجية بعيدة المدى.