الشباب والمخدرات

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٦/أبريل/٢٠١٩ ١٠:٥٣ ص
الشباب والمخدرات

ريم بنت نور الزدجالية
تعد مشكلة تعاطي المواد المخدرة من المشكلات التي تؤرّق جميع الدول حول العالم، رغم التي تُبذل من خلال إصدار القوانين التي تنصّ على تجريم كل ما يتعلّق بترويج وتعاطي المخدرات، وعلى الرغم من بذل الدول لكثير من الجهد والمال من أجل توعية الشباب وحثهم على الابتعاد عن تعاطي المواد المخدرة وإظهار مدى الآثار والأضرار التي تسببها، إلا أن هذه الظاهرة المدمّرة للصحة والعقل لا زالت موجودة في معظم المجتمعات بشكل عام وبين مجتمعنا بشكل خاص.
ولو أردنا الحديث عن أضرار الإدمان وتبعاته على الشخص المدمن وأسرته فهي كثيرة؛ فالإدمان يسبّب العديد من الأمراض وأخطر هذه الأمراض ما يتعلّق بالجهاز العصبي لأن المخدرات تدمّر الخلايا العصبية، هذا بالإضافة إلى الأمراض المتعلّقة بالصحة العامة للشخص المدمن مثل الضعف العام للجسم وتأثير المخدرات على جهاز المناعة واضطرابات القلب والجهاز الهضمي وتآكل خلايا المخ والشعور بالهلوسة الفكرية وضعف أو فقدان الذاكرة، وأمراض الكبد والمعدة، والعديد من الأمراض التي يطول الحديث عنها، وحتى الموت في حال أخذ جرعة زائدة.
فأضرار المخدرات لا تنحصر في الأضرار الشخصية والأضرار المجتمعية فهناك أيضا أضرار اقتصادية؛ فالدول تحتاج إلى شباب واع قادر على العمل والإنتاج، وتعاطي المخدرات كما ذكرنا يؤثّر على الصحة العامة، مما يجعل القدرة على العمل والإنتاج غير ممكنة.
وكلما زاد عدد المدمنين زادت أعباء الدولة لرعاية هؤلاء المدمنين بإنشاء المصحات الخاصة لعلاجهم ومكافحة المروّجين لتلك المخدرات.
وقد وضع المشرع العماني قانونا خاصا للتصدي لهذا البلاء الخطير، حيث صدر قانون المخدرات بالمرسوم السلطاني رقم 17/‏99 والذي لازمته بعض التعديلات اللاحقة بمرسوم سلطاني رقم 34/‏2015.
وبالنظر لنصوص المواد في هذا القانون، نجد أن المشرع العماني لم يحدد في القانون حدا أدنى للكمية المحرزة من المادة المخدرة؛ فالعقاب واجب مهما كانت كمية المخدر قليلة ومتى كان لها كيان محسوس أمكن تقديره، بل أكثر من ذلك فإن المشرع العماني توسع في إنزال العقاب مع انعدام الحيازة، فمجرد اكتشاف تعاطي الشخص للمواد المخدرة من خلال إجراء بعض التحاليل تنزل بالشخص العقوبة الجزائية، كون التحاليل أثبتت تعاطيه للمواد المخدرة.
وقد جاءت نصوص قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية لتوضح مدى خطورة التعامل في المخدرات، ومدى حرص المشرع على معاقبة كل من ينتج أو يصنع أو يحرز أو يحوز أو يتعاطى المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية، فنجد أن المادة 47 من ذات القانون تحدثت عن معاقبة كل من استورد أو اشترى أو أنتج أو صنع أو حاز أو أحرز مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية مدة لا تقل عن سنة واحدة، ولا تزيد على 3 سنوات، وبغرامة لا تقل عن 500 ولا تزيد عن 3000 ريال عماني.
وعلى سبيل المثال يعد من ضمن المواد المخدرة والمؤثرات العقلية المحظورة، المورفين والكوكايين والحشيش والقنب الهندي.
ويعاقب بذات العقوبة كل من زرع أو حاز أو أحرز أو اشترى نباتا من النباتات المخدرة وكان ذلك بقصد التعاطي، أو الاستعمال الشخصي في غير الأحوال المرخص بها قانونا.
وتكون العقوبة مدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد عن 7 سنوات وبغرامة لا تقل عن 1000 ريال عماني ولا تزيد على 5000 ريال عماني إذا كان ذلك بغير قصد الاتجار، أو التعاطي، أو الاستعمال الشخصي، وفي غير الأحوال المرخص بها قانونا.
ويجوز للمحكمة بدلا من توقيع العقوبة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من هذه المادة أن تأمر بإيداع من يثبت إدمانه تعاطي المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية إحدى المصحات التي تنشأ لهذا الغرض، أو معالجته في إحدى العيادات المتخصصة في المعالجة النفسية والاجتماعية والتردد عليها وفقا للبرنامج الذي يقرره الطبيب النفسي، أو الأخصائي الاجتماعي في العيادة.
ولا يجوز أن يودع في المصحة من سبق الأمر بإيداعه فيها مرتين تنفيذا لحكم سابق، أو لم يمض على خروجه منها أكثر من 5 سنوات.
وقد جاءت نص المادة السابقة لكي توضح مدى حكمة المشرع العماني في التعامل مع حالات الإدمان، حيث أعطى للمحكمة الحرية الكاملة بالنسبة لمن يثبت إدمانهم أو تعاطيهم للمخدرات أن تقوم بإيداعهم مصحات علاجية متخصصة في علاج وتأهيل هذه الحالات، فالقاضي ينظر لكل حالة من خلال الظروف والملابسات المحيطة بها، وفي حال إذا ما رأى القاضي أنه من الأفضل إيداع المتهم مصحة علاجية من أجل إعادة تأهيله، وتقديمه كفرد سوي يساهم في بناء المجتمع بدلا من الحكم عليه بالسجن، يأمر بإيداعه أحد المراكز العلاجية.
حيث نصت المادة 51 من قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية على أنه لا تقام الدعوى الجزائية على من تقدم من متعاطي المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية إلى السلطات العامة للعلاج في المصحة من تلقاء نفسه أو طلب أحد أقربائه أو زوجته وتراعى السرية التامة هنا وفقا للمادة 52 ولا تشمل المادة 51 كل من تم ضبطه بتعاطي المواد المخدرة أو حركت ضده دعوى جزائية.
وقد وضعت المادة (58) آلية إعادة تأهيل الشخص المدمن ومتى يتم الإفراج عنه وما هي الفترة التي يحتاجها لإعادة التأهيل، وكل ما يتعلق بسلوكه أثناء تلقيه للعلاج داخل مركز التأهيل، حيث تنص المادة (48) من قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية على أن «يكون الإفراج عن المودع في المصحة بعد شفائه بقرار من المحكمة بناء على اقتراح اللجنة المنصوص عليها في المادة 49 من هذا القانون ولا يجوز أن تقل مدة الإيداع في المصحة عن ستة أشهر ولا أن تزيد على سنة».
إذا تبين عدم جدوى الإيداع أو انتهت المدة القصوى المقررة له قبل شفاء المودع أو خالف الواجبات المفروضة عليه أو ارتكب أثناء إيداعه أيا من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون رفعت اللجنة الأمر إلى المحكمة عن طريق الادعاء العام للحكم عليه بالعقوبة المقررة ويسري ذات الحكم من تأمر المحكمة بعلاجه وفقا للفقرة الثالثة من المادة 47 من هذا القانون.
وحاليا توجد بعض المراكز الحكومية لعلاج الإدمان في السلطنة مثل مستشفى المسرة، الذي يستقبل حالات عديدة يتم إيداعها بناءً على قرار من المحكمة أو بناءً على رغبة الشخص المدمن.
كما أنه توجد بالسلطنة بعض المراكز العلاجية الخاصة التي تقوم بعلاج حالات الإدمان، والتي يتراوح مبلغ علاج الحالة الواحدة للشخص المدمن ما بين 400 إلى 900 ريال شهريا على حسب الخدمات المقدمة من المركز.
ولكي نصل إلى مجتمع بلا مخدرات وبلا مدمنين يجب على الجميع التكاتف والتعاون من أجل القضاء على هذه الظاهرة الخطيرة، من خلال وضع استراتيجية من الجهات الرسمية المسؤولة والمؤسسات الخاصة والجمعيات لوقف ومحاربة هذا الوباء الذي يهدد مجتمعنا، ويؤدي إلى ضياع الشباب وهلاكه.
والشخص المدمن قادر على أن يتعافى إن وجدت النية والإرادة والطريق الصحيح للعلاج.
وفي الختام ندعو الله بأن يحفظ عمان وأبناءها من كل مكروه.

محامية