تعددية الأطراف فرصة

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٧/أبريل/٢٠١٩ ١٢:٠١ م
تعددية الأطراف فرصة

ليو زينمين

عندما ضرب الإعصار الحلزوني إيداي موزمبيق، ومالاوي، وزيمبابوي، ومدغشقر الشهر الفائت، قَتل ما يناهز ألف شخص، وشَرَّد ما يناهز مئات آلاف آخرين وجوعهم وجعلهم عرضة للإصابة بالأمراض. ووفقا للتقديرات، يرجح أن الإعصار دمر ما قيمته أكثر من مليار دولار من البنية الأساسية.

وأصبحت مثل هذه الأعاصير مألوفة وميؤوس منها.

لقد كان أيدار آخر إعصار من سلسلة الظواهر الجوية البالغة الشدة، مما يبين لنا أن الآثار المدمرة لتغير المناخ لا تكمن في المستقبل البعيد، بل في حاضرنا.
والأسوأ من هذا أن أفقر سكان العالم وأكثرهم هشاشة هم الأكثر تضررا منها. وستضطر الموزمبيق – البلد الأكثر تضررا من إيداي- إلى إعادة البناء وأيديها مكتفة إلى الوراء، لأنها لازالت تتفاوض من أجل إعادة بناء ديونها غير المستدامة.
وللتصدي لهذه التحديات، اعتمد المجتمع الدولي برنامج 2030 للتنمية المستدامة، التي كانت خطوة نحو الرفاهية والاستدامة المشتركتين. لكن أهداف التنمية المستدامة لن تحقق ما لم نصلح أنظمتنا المالية وفقا لخطة عمل أديس أبابا التي وضعتها الأمم المتحدة. إننا نحتاج إلى هندسة مالية عالمية ستمكننا من تمويل المشاريع الضرورية (بما في ذلك تلك المتعلقة بالبنية التحتية)، والاستجابة السريعة للصدمات، ووضع الدولة التي تعاني من صعوبات في ظروف مالية مناسبة. ولقد حصل تحسن نسبي.
إذ لاحظ تقييم جديد للتمويل العالمي للتنمية المستدامة، الذي أنجزته الأمم المتحدة بتعاون مع صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أن اهتمام القطاع الخاص بالتمويل المستدام يتزايد، فضلا عن تزايد إدراج أهداف التنمية المستدامة في الميزانيات العامة وجهود التعاون من أجل التنمية. لكن هذه التغيرات لا تحدث بوتيرة سريعة بما يكفي، ولا تحدث على النطاق المطلوب.
مثلا، في النصف الأول من عام 2018، بلغ مجموع استثمارات القطاع الخاص في البنية الأساسية للدول النامية 43 مليار دولار، أي أقل مقارنة مع نفس الفترة من عام 2012.
ومن أجل تحقيق هدف توفير التعليم الابتدائي العالمي مع حلول عام 2030، يجب إنفاق أكثر من ضعف ما ينفق على التعليم سنويا في أفقر دول العالم. وفي نفس الوقت، ينبغي التصدي للمخاطر المنهجية الخفية من أجل تفادي الأزمات في المستقبل. وهنا، لا يوحي المستقبل بالتفاؤل. إذ، عرف النمو الاقتصادي ارتفاعا بنسبة 3%، وهي قيمة أبعد مما يقتضيه القضاء على الفقر في العديد من الدول. وفي عام 2017، ارتفعت الأجور (بعد ضبط التضخم) بنسبة 1.8 فقط، وهي أقل نسبة في عشر سنوات. ويعيش معظم سكان العالم اليوم في بلدان تعرف مستويات مرتفعة من اللامساواة في الأجور. ومع أن العولمة عززت الرفاهية إلى حد كبير، ومكنت من تحقيق تقدم كبير في مكافحة الفقر، لم توزع المكاسب بتساو.
إذ أقصيت العديد من الأسر والمجتمعات والدول من الرفاهية المتزايدة. ونظرا لهذه الظروف، ليس مفاجئا أن تتراجع الثقة في تعددية الأطراف في العديد من أنحاء العالم. ومع أن النظام المتعدد الأطراف يواجه أزمة الشرعية، فهو يحظى أيضا بفرصة.
ويمثل خضوع أكثر من 588 مليار دولار من البضائع للقيود التجارية مع حلول منتصف أكتوبر 2018- وهو ارتفاع بنسبة سبعة أضعاف مقارنة مع العام الماضي، أزمة النظام التجاري المتعدد الأطراف، لكنها تمثل أيضا فرصة للنهوض بسياسة أكثر عدلا لمواجهة العولمة. وعلى غرار موزمبيق، هناك الآن على الأقل 30 دولة نامية وضعيفة الدخل تواجه خطر أزمة الديون. لكن زيادة مخاطر الديون السيادية، التي تتزامن مع تغيير هندسة الدائن، أوعى المجتمع الدولي بالثغرات في الهندسة الحالية لاستدامة الديون السيادية.
وبين تركيز السوق المتزايد، خاصة في قطاع الاقتصاد الرقمي، ضرورة معالجة الانعكاسات التوزيعية للتكنولوجيا الجديدة- داخل الدول وبينها. إن السياسات القومية للزيادة من الضرائب، وجذب الاستثمارات، ومواءمة الأنظمة المالية المحلية مع أهداف التنمية المستدامة، ضرورية لتوجيه التغيير الذي نحتاجه. لكن لا يمكن أن تحل الدول التي تشتغل لوحدها مشاكل العالم الأكثر إلحاحا. وبدل التخلي عن تعددية الأطراف، ينبغي على المجتمع الدولي تعزيز العمل الجماعي.
وفقط عن طريق العمل الجماعي يمكننا تحقيق إنجازات كبيرة لفائدة كل الناس. وإذا أخفقنا في هذا، سنخفق في توفير التنمية المستدامة للجميع.
ونظرا لكون مستقبل كوكبنا ورفاهيتنا المشتركة معرض للخطر، فليس هناك ما يبرر عدم التدخل.

وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية.