شخصيات "مُقلّدة"

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٧/أبريل/٢٠١٩ ١٢:١٩ م
شخصيات "مُقلّدة"

لميس ضيف
في أمثالنا الشعبية قال العارفون «مدّ رجولك على قدّ لحافك» تحريضا للسامعين على الحياة ضمن السقف الذي لا يُرهق ميزانياتهم ولا يُعرِّضهم لديون وأعباء لا طاقة لهم بها. لكن استشراء داء التباهي ومحاكاة الأغنياء والمشاهير زعزع ثقة الناس بنفسها وجعلهم يتوقون للتشبّه بطبقات ماديّة مرفّهة، وكثير منهم خسر في تلك الصفقة نفسه: فأصبح كالغراب الذي قلّد الحمامة؛ فلا هو بقى على حاله غرابا ولا تحوّل لحمامة!
هناك دراسات خرجت للنور توثّق حقيقة أن 40 % من مداخيل الخليجيين تذهب للسلع الكمالية، وأن المرأة الخليجية تُنفق ما متوسطة 500 دولار على العطور والمكياج فقط. في بريطانيا يُنفق الإنجليز ما متوسطه 120 دولارا شهريا على الملابس والإكسسوارات مقابل 1500 دولار للفرد في الخليج!
ومن لا يملك السعة لمنافسة الهوس الشرائي يلجأ للبضائع المقلّدة ليُثبت لنفسه -فضلاً عن الناس- أنه ليس بأقل من أحد. في الإمارات -وحدها- يصل حجم السلع المقلّدة لنصف بليون درهم، وفقا تصريح لحماية المستهلك. وهذا هو الرقم المُعلن فحسب.
فالحملات التفتيشية، التي نجحت في ضبط وتحرير 1736 مخالفة ضد محال تبيع سلعا مغشوشة ومقلّدة، لا تستطيع تغطية كل المخالفات خصوصا أن السلع لا تقتصر على الكماليات والملابس بل تمتد للأجهزة الإلكترونية وقطع غيار السيارات.
وليس هذا هو مربط الفرس، ولا يعنينا للأمانة من يلبس ماذا فالأمر أعمق من ذلك بكثير؛ فدوران الفرد في فلك المظاهر وما يبذله في سبيل محاكاة غيره يأتي على حساب أمور أخرى أكثر إلحاحاً وأهمية.
فبدلاً من أن ينصبّ تفكير الفرد على تطوير نفسه وتوجيه موارده المحدودة للتخطيط لمستقبله تراه غارقا في سكرة الشره الاستهلاكي وعاجزا -أحياناً- عن الوفاء بالتزامات مهمّة بسبب تركيزه على التباهي بما لا يملك. وحدة كل ذلك في تعاظم؛ بسبب المشاهير الذين تحوّلوا لأدوات إعلانية للمنتجات و»الماركات» فباتوا يروّجون لروعة منتجات معيّنة ويُثيرون شهية الناس لها وكأن الحياة دونها عبث والأناقة من دونها سراب! إنّ من حق الميسور أن يستمتع بأحدث إصدارات دور الأزياء ويتسربل بها، وله أن يُنفق ماله كيفما شاء؛ لأنه فائض عن حاجته. لكن على من دونه أن يتيقّظ لنفسه، ولا يصبح دمية تحرّكها نزعات كاذبة. أنت مميّز بما أنت فيه وعليه. ولست بحاجة إلى أن تتقمّص حياة أحد لتكون ذا قيمة؛ فقيمتك ليست في ما تحمله في يدك بل في عقلك الذي يجب أن يتحرّر من القيم الاستهلاكية التي تحتله.