«الحزام والطريق».. مبادرة صينية ونفع عالمي

مؤشر الاثنين ١٣/مايو/٢٠١٩ ١٢:١٥ م
«الحزام والطريق».. مبادرة صينية ونفع عالمي

بكين- مسقط- خالد عرابي
اختُتمت مؤخرا بالعاصمة الصينية بكين أعمال الدورة الثانية لمنتدى «الحزام والطريق للتعاون الدولي»، والذي يعد أعلى لقاء دولي في إطار المبادرة العالمية الشــــهيرة، تحـــــت شعار «التعاون في الحزام والطريق: تشكيل مستقبل أكثر إشراقا»، بحضور 40 قائدا ما بين رؤساء دول ورؤساء حكومات، ونحو 5000 ممثل لأكثر من 150 دولة و90 منظمة دولية وسجل بها أكثر من 4000 إعلامي وصحفي من حول العالم.

وتعد المبادرة «الحزام والطريق» طرحا وابتكارا صينيا خالصا في النظرية والتطبيق، غير أنها تمثّل شراكة دولية عالمية تجسّد مبادئ التشاور والشراكة والفوز والعيش المشترك وتهدف للنفع للجميع، لذا فقد حظيت المبادرة منذ أن طرحها فخامة الرئيس الصيني شي جين بينج في العام 2013 بقبول عالمي وترحيب كبير، مما سيكون له عميق الأثر الإيجابي على العالم. وقد نالت المبادرة زخــــــما عالميا وتأييدا قويا ودعما كبيرا من المجتمع الدولي، ولعل أبرز ما يدل على ذلك هو أن الصين وقّعت حتى الآن على نحو 174 وثيقة تعاون حول المبادرة «الحزام والطريق» مع 140 دولة ومنطقة منها 17 دولة عربية، وأنشأت الصين حتى الآن شراكات إستراتيجية، وشراكات إستراتيجية شاملة مع 12 دولة عربية، ووقعت وثائق تعاون مع نحو 50 منظمة دولية منها الأمم المتحدة، وقامت الصين باستثمار ما قدره 20.17 بليون دولار أمريكي في 57 دولة واقعة على طول الحزام والطريق في العام 2017، بزيادة 31.5 % على أساس سنوي، ما شكل 12.7 % من إجمالي الاستثمار الصيني في الخارج. وخلال 2018، وقّعت الصين اتفاقيات تعاون ثقافي مع أكثر من 60 دولة في الحزام والطريق وأسّست 17 مركزا ثقافيا في الخارج في دول الحزام والطريق.

خريطة طريق مستقبلية

وكان من أبرز ما ميّز الدورة الثانية للمنتدى هذا العام الكلمة الافتتاحية للرئيس الصيني شي جين بينج والتي كانت بمثابة خريطة طريق مستقبلية للعمل على تسريع آليات تنفيذ المبادرة، حيث دعا الرئيس شي المشاركين في «الحزام والطريق» إلى ضرورة مواصلة دفع المبادرة باستمرار نحو مسار التنمية عالية الجودة، وأكّد الرئيس شي على أهمية التمسّك بمبدأ التشاور الشامل، والبناء المشترك، والمنافع المشتركة، وضرورة الالتزام بالمناهج المنفتحة والخضراء والنزيهة. وأشار الرئيس شي إلى ضرورة تحقيق أهداف التنمية عالية المستوى، وتحسين سُبُل المعيشة والتنمية المستدامة. وقال إن البناء المشترك للحزام والطريق قد فتح مجالا جديدا للنمو الاقتصادي العالمي.

كما أكّد على أن البناء المشترك للحزام والطريق قد أوجد أيضا منصة جديدة لحفز التجارة والاستثمار الدوليين، ووسّع ممارسات جديدة لتحسين حوكمة الاقتصاد العالمي، علاوة على تقديم مساهمات جديدة في تعزيز رفاهية الشعب لجميع الدول.

وقال الرئيس شي جين بينج إن الصين ستكثف حماية الحقوق والمصالح المشروعة للأجانب من أصحاب حقوق الملكية الفكرية وتحظر النقل الإجباري للتكنولوجيا، وإن الصين ستوجِد بيئة أعمال تحترم فيها قيمة المعرفة. وأكد على أن الصين لن تنخرط في تخفيض قيمة العملة لإفقار جيرانها، بل ستواصل تحسين آلية تشكيل سعر صرف عملتها الرنمينبي «اليوان» والحفاظ على استقرار سعر الصرف بشكل عام على مستوى معقول ومتوازن، وأن الصين ستسمح للمستثمرين الأجانب بتشغيل أعمالهم في المزيد من القطاعات مع امتلاك حصص مسيطرة أو حصص كاملة، وستطرح مجموعة جديدة من مناطق التجارة الحرة التجريبية. كما وستزيد الصين واردات البضائع والخدمات على نطاق أوسع، وستخفّض بشكل أكبر معدلات الرسوم الجمركية، وستفتح أسواقها بشكل مستمر، وترحّب بالمنتجات عالية الجودة من أنحاء العالم.
وأعرب الرئيس شي جين بينج عن استعداد بلاده لاستيراد المزيد من المنتجات الزراعية المنافسة، والمنتجات والخدمات الجاهزة.

وقال شي إن الصين ستجري مفاوضات وتوقّع اتفاقيات تجارة حرة عالية المستوى مع المزيد من الدول، وإن الصين ستعمل مع الأطراف الأخرى لتعزيز تحالف المدن المستدامة وتحالف دولي للتنمية الخضراء تحت مبادرة الحزام والطريق.

الوفاء بالاتفاقيات الدولية

وأشار الرئيس شي إلى أنه ستتم دعوة ما إجماليه 10 آلاف مندوب من الأحزاب السياسية والمؤسسات البحثية والمنظمات غير الحكومية من الدول المشاركة في مبادرة الحزام والطريق إلى الصين للتبادلات في السنوات الخمس المقبلة، حيث إن بلاده تولي أهمية كبرى لتأسيس آلية ملزمة للوفاء بالاتفاقيات الدولية وتنفيذها، وتعديل وتحسين القوانين واللوائح وفقا للحاجة إلى المزيد من الانفتاح. كما أن الصين ستدعم 5000 شخص من قطاع الإبداع في دول الحزام والطريق عبر إجراء التبادلات والبرامج التدريبية والبحوث المشتركة في الخمسة الأعوام المقبلة.

وستعمل الصين مع المشاركين الآخرين في مبادرة الحزام والطريق لتعزيز التبادلات العلمية والثقافية وإنشاء مختبرات علمية مشتركة وبناء مجمعات العلوم والتكنولوجيا ودفع نقل التكنولوجيات. ودعا الرئيس شي جين بينج جميع الدول لإيجاد بيئة استثمار سليمة ومعاملة الشركات الصينية والطلاب والأكاديميين الصينيين في الخارج بطريقة عادلة. وأكد قائلا إنه يجب على جميع الدول إيجاد بيئة عادلة وودية من أجل الشركات الصينية والطلاب والأكاديميين الصينيين لإجراء تبادلات وتعاون دوليين طبيعيين.

وأكد بينج على ضرورة بناء بنية أساسية عالية الجودة، ومستدامة، ومقاومة للمخاطر، ومعقولة الأسعار، وشاملة، وسهلة الوصول ضمن مبادرة الحزام والطريق. ووصف شي البنية الأساسية بأنها حجر الزاوية للترابط، وعنق زجاجة التنمية الذي يواجه دولا كثيرة. مؤكدا على أن بناء بنية أساسية وفقا لهذه المعايير سيساعد تلك الدول على الاستفادة الكاملة من مواردها، وتحقيق اندماج أفضل في السلاسل العالمية للإمداد والصناعة والقيمة للتنمية المترابطة.

النفع للدول العربية

وإذا كان النفع للجميع هو أحد المبادئ التي تقوم عليها المبادرة فإن الدول العربية تمثل طرفا مستفيدا من هذه المبادرة ولعل ما يدل على ذلك هو الأرقام التي تحققت خلال الفترة الفائتة ومنها ما أكدت عليه نتائج أحدث البيانات الصادرة عن مصلحة الدولة للجمارك بالصين والتي قالت بأن التبادلات الاقتصادية والتجارية بين الصين والدول العربية شهدت زيادة مطردة خلال العام 2018، حيث وصل حجم التجارة الثنائية بين الصين والدول العربية إلى 197.7 بليون دولار أمريكي في فترة الأشهر العشرة الأولى من العام 2018، متجاوزا إجمالي حجم التجارة بين الجانبين في كامل العام 2017 حيث سجل 191.3 بليون دولار أمريكي. وبلغت قيمة الصادرات الصينية إلى الدول العربية 85.8 بليون دولار أمريكي خلال فترة يناير- أكتوبر 2018، بينما وصلت وارداتها من الدول العربية إلى 111.9 بليون دولار أمريكي.

وفي الوقت نفسه، حققت 20 دولة عربية ازديادا في حجم تجارتها مع الصين خلال هذه الفترة، حيث ارتفع حجم التجارة بين الصين وسلطنة عُمان وليبيا والكويت وقطر والعراق ومصر والسعودية بـ 40.2 بالمئة و157.8 بالمئة و66.9 بالمئة و53 بالمئة و35.9 بالمئة و30.9 بالمئة و22.9 بالمئة على أساس سنوي على التوالي. من ناحية أخرى، يزداد التعاون العملي بين الصين والدول العربية في مجالات النفط والغاز والكهرباء والطاقة النووية والطاقة المتجددة عمقا؛ بفضل دعم ودفع الجانبين. وأصبح التعاون العلمي والتكنولوجي والفضائي نقطة ساخنة أيضا ضمن إطار التعاون الشامل بين الجانبين. وتعمل الصين والدول العربية معا لربط المناطق الصناعية في أبوظبي والسويس وجازان بالموانئ القريبة. وأخذ التعاون الزراعي بين الجانبين أيضا زخما في السنوات الأخيرة وتم توقيع المزيد من مذكرات التفاهم لتعزيزه، وتم إنشاء فرق عمل زراعية مع كل من عُمان وفلسطين وسوريا ومصر والجزائر والسودان وموريتانيا وبلدان أخرى حاليا.

وعودة إلى الحديث عن النفع للجميع وبشكل عام أو على المستوى العالمي فإننا نستطيع أن نقول بأن التعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق يلعب دورا أكثر أهمية في تعميق علاقات الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين الصين والعالم بكل يسر وسهولة، حيث يجرى التعاون بين الصين والدول الواقعة على طول الحزام والطريق أو طريق الحرير القديم، وكذا الدول الأخرى الراغبة في الانضمام للمبادرة من حول العالم -حيث أعلن الرئيس الصيني عن فتح المجال والشراكة لمن يرغب في الانضمام من مبدأ النفع للجميع- ولذا فها هي الشجرة المثمرة تؤتي أكلها وها هو النفع سيعم على الجميع.

64 بليون دولار

أما إذا ما أردنا أن نتحدث عن نتيجة الدورة الثانية من المنتدى فحسب فنوجزها في إطار ما كشف عنه فخامة الرئيس الصيني شي جين بينج، خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده مع الإعلاميين الدوليين بمركز المؤتمرات بقصر بحيرة يانكي ببكين حيث أكد فخامته على أن اتفاقات التعاون الموقعة في مؤتمر الرؤساء التنفيذيين، خلال الدورة الثانية من منتدى الحزام والطريق الثاني للتعاون الدولي الذي عقد في بكين، تقدّر بأكثر من 64 بليون دولار. وقال شي، خلال المؤتمر: «تحدثنا بشكل إيجابي عن تقدم التعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق وأهميته، وتشاركنا الرأي بأن التعاون في إطار المبادرة فتح بوابة لفرص الرخاء المشترك».

وأضاف فخامته: «دعمنا جميعا فكرة تطوير شراكة عالمية من أجل الارتباطية، واتفقنا على تعزيز آليات التعاون، لقد دعمنا جميعا تعاونا أكثر واقعية لتحقيق المزيد من النتائج الملموسة». وأكد شي على العمل المشترك لجميع الأطراف لتحديد أولويات التعاون والتركيز على تعزيز الترابط الشامل، داعيا إلى تشجيع المزيد من الدول والشركات على المشاركة التامة في توسيع المصالح المشتركة.

وقد أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش على أهمية المبادرة حيث قال خلال كلمته أمام المنتدى: إن الركائز الخمس لمبادرة الحزام والطريق، (تناسق السياسات وترابط المنشآت وسلاسة القنوات التجارية وتداول الأموال وتفاهم الشعوب)، تعد بمثابة أعمدة مفاهيمية يمكن ترجمتها إلى تقدم حقيقي لجميع الشعوب.

الجدير بالذكر أنه وخلال الفترة ما بين 2013 و2018، تجاوز حجم التجارة بين الصين والدول الأخرى المشاركة في المبادرة، 6 تريليونات دولار، وتجاوزت استثمارات الصين في الدول المشاركة في المبادرة 90 بليون دولار.