قصص لا تنتهي إلى خير

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٥/مايو/٢٠١٩ ١٣:٥٧ م
قصص لا تنتهي إلى خير

هارولد جيمس

في عالم اليوم، اللاعقلاني، المليء بالأخبار المزيفة وأنماط السياسة المخادعة، ظهر شعار جديد: كل شيء يتمحور حول الروايات. تكمن القوة اليوم في قدرة الفرد على سرد قصة ما.

وكمثال على ذلك، تأمل صعود الرئيس الأوكراني المنتخب فولوديمير زيلينسكي، وهو ممثل كوميدي تتخلص تجربته السياسية الوحيدة في أنه أدى في السابق دور رئيس على التلفزيون. فاز زيلينسكي على الرئيس الذي كان يشغل المنصب، بترو بوروشينكو، لأنه يعرف كيف ينسج القصص ويتلاعب بالكلمات.

تمثل سياسة اليوم، التي يطغى عليها الأداء المسرحي، تحولا حادا عن القرن السابق، الذي قادت فيه العلوم الاجتماعية أنماط الحوكمة. فحتى وقت قريب، سعى صناع السياسة إلى تقديم تقييمات مقنعة من الناحية التجريبية - وإن كانت مبسطة في كثير من الأحيان - لمشاكل مثل الفقر والمرض والعنف، من أجل حشد دعم سياسي للحلول التي تستند إلى الأدلة.

تشكل هذا النهج التكنوقراطي عقب ثلاثينيات القرن العشرين على يد اقتصاديين استعانوا بحسابات الدخل القومي لإدارة ظروف الاقتصاد الكلي. واعتمادا على إطار مفاهيمي واضح وصريح طوره رجل الاقتصاد البريطاني جون مينارد كينز، رأوا أن نقص الطلب هو السبب الأساسي لنقص العمال والقدرة المفرطة. والتزموا في نفس الوقت بنهج اقتصادي محافظ ربط بين النمو النقدي والتضخم. في كلتا الحالتين، كانت هناك آلية سببية بسيطة، متمثلة في منحنى فيليبس، للتحكم في معدلات الباحثين عن عمل والأسعار. فقدت النظرية الكينزية شعبيتها خلال فترة الركود في سبعينيات القرن الفائت، عندما ارتفعت معدلات كل من الباحثين عن عمل والتضخم في نفس الوقت في الولايات المتحدة والاقتصادات المتقدمة الأخرى.وبدلا من ذلك، شرع العالم في خوض تجربة هائلة لتخفيف القيود النقدية.

في نفس الوقت، كان صناع السياسات خلال سنوات ما بعد الأزمة في حالة من التناقض الشديد فيما يتعلق بالعجز المالي. فمن ناحية، كانوا قلقين من ارتفاع مستويات الديون في بعض البلدان على نحو غير مستدام؛ لكنهم من ناحية أخرى وجدوا بعض العزاء في فكرة أن من الجدير بعالم مليء بالأموال السهلة أن يكون قادرا على الخروج من أي مأزق بالاستعانة بالتمويل. لكن هذا الارتباك في السياسة والاعتماد على الحسابات الوهمية يعيد إلى الأذهان التجربة السوفيتية في عشرينيات وثلاثينيات القرن الفائت. ففي الاقتصاد الذي وضعه الاتحاد السوفيتي، كانت الأسعار تحدد من قبل الدولة، وكانت الفائدة على رأس المال في الواقع صفر. هذا يعني أن تكلفة تمويل أي مشروع بنية أساسية ضخم كانت هي نفس تكلفة تمويل أي شيء آخر. وهكذا، كان المهندسون يبحثون كل السبل الممكنة لإزالة العوائق التي قد تواجههم عند التخطيط لخط سكك حديدية، فيقترحون مثلا حفر أنفاق عبر الجبال لتجنب الاضطرار إلى تسلقها. وغني عن القول إن السلطات سرعان ما اصطدمت بالواقع. ومع تزايد عدد المشاريع التي لم تكتمل، حاول المخططون السوفييت التستر على الإخفاقات بإعلان نجاح تلك المشاريع. لكنهم بدوا عديمي الحيلة، وكانت النتيجة فقدان الثقة في التكنوقراطيين بوجه عام.

أدت الأزمة المالية لعام 2008 إلى فقدان مماثل في الثقة.

فقد أدى عمق الشعور بعدم اليقين السياسي والاقتصادي إلى تحويل المؤرخين إلى نقاد لا يخلو نقدهم للعلوم الاجتماعية التقليدية من التحيز المفرط تجاه سرديات مستأنسة وعشوائية.
والأسوأ من ذلك، أن العديد من المؤرخين بدأوا في إضفاء سلطتهم الأكاديمية على وصفات سياسية أكثر إثارة للإشكاليات من أي شيء اقترحه علماء الاقتصاد قبل الأزمة أو بعدها.
إذا أراد المؤرخون المشاركة في مناقشات سياسية عالية المخاطر، فعليهم توفير سياق أوسع لفهم القضايا.
لكن عندما يكتفون بتقديم روايات بسيطة تتضمن وصفات سياسية محددة، فإنهم يصبحون أكثر خطورة من علماء الاجتماع.
الحرص على إقحام المعرفة التاريخية المجتزأة لخدمة أساطير وطنية – مثل الإصلاح البروتستانتي أو أزمة أسعار الصرف لعام 1992 كنموذج للبريكست؛ أو معركة بولتافا بالنسبة لروسيا المعاصرة - هو أمر يثير الارتباك، ويزرع الفتنة، ويجلب الضرر.
ومع وجود جوقة متزايدة من محترفي الاحتيال تسعى للدفع بمثل هذه «الثقافة الأكاديمية»، فمن واجب جميع المعلقين اليقظين والحذرين أن يضعوا الأمور في نصابها.

أستاذ التاريخ والشئون الدولية في جامعة برينستون، وأستاذ التاريخ لدى معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا،