هل ستنفذ هذه القرارات!

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٦/مايو/٢٠١٩ ١٣:٤٤ م
هل ستنفذ هذه القرارات!

علي بن راشد المطاعني
دائما تختلف الأوساط المحلية والاقتصادية بالتحديد على قرارات التعمين أو قصر ممارسة بعض المهن والوظائف على العُمانيين، ويثار جدل حاد يتم في خضمه تفسير القرارات كل على هواه والمحصّلة هروب يكاد أن يكون جماعيا من تطبيق تلك القرارات. ولعل القرار رقم 221/‏‏2019 الذي أصدره وزير القوى العاملة والقاضي بحصر مزاولة بعض المهن على العُمانيين كان آخر القرارات التي تعرضت لتلك الهجمات المرتدة من جانب بعض الأطراف التي قد تتأثر منه وكيفية تطبيقه في حين الطرف الآخر مرحبا فهذا الجدل ربما صحي في جانب وغير ذلك في جوانب أخرى، الأمر الذي يتطلب أن نكون مستعدين لمثل هذه المتغيّرات القادمة والهيئة الملائمة لها؛
فهذا واقع يجب أن نشهده في الفترة القادمة لا محالة لدواع كبيرة تتعلّق بتوفير فرص العمل للمواطنين وتحمّل كل طرف مسؤولياته والانتقال من مرحلة تبادل الاتهامات إلى مرحلة التعاطي الإيجابي الذي يتطلب من الجميع تضحيات كبيرة في النهوض بهذه الجــــوانب وغيرها لصالح البلاد والعباد في هذا الوطن والترفع عن صغائر الأمور وتغاضي الهفوات وتحمّل التبعات.
فالقرار وفي مادته الأولى أشار باقتصار 9 مهن بالقطاع الخاص على العُمانيين فقط وهي: مساعد مدير عام، مدير إداري، مدير موارد بشرية، مدير مسؤول شؤون الموظفين، مدير علاقات عامة، مدير مساعد، جميع المهن الإدارية والكتابية.. فهذه الوظائف -وفق إحصائيات- ستوفر ما يربو على 37 ألف وظيفة سوف تتوفر من هذا القرار إن طُبِّق كما ينبغي.
المادة الثانية من القرار أوضحت بأن تراخيص استقدام القوى العاملة غير العُمانية وتراخيص مزاولة العمل الصادرة للمهن المحددة تسري حتى تاريخ انتهائها، ولا يجوز تجديدها وهو ما يستوجب ترحيل القوى العاملة المقترنة بهذه المهن، وليس السماح لها بتغيير مسميات وظائفها تهربا بينا من القرار، هذا إن أردنا فعلا ضبط سوق العمل المضطرب أصلا، ثم إننا لا نعرف على وجه الدقة ما هي أوجه الخلاف والاختلاف على كهذا قرارات فهي واضحة كالشمس في وضح النهار، يحدث ما يحدث ونحن ننادي على الجانب الآخر من وادي الحيرة بإيجاد وظائف لأبنائنا وتمكينهم من العمل في القطاعين العام والخاص في واحدة من أشد حالات التناقض والغموض، وفي إطار ذلك لن تتقدم السفينة شبرا واحدا للأمام لانعدام الإرادة تماما، فبعد 48 عاما هيمن فيها الأجانب على هذه الوظائف وغيرها، ثم نعجز من تطبيق قرار ينهي هذا الوضع الغريب. ومن الواضح بأن البعض لا يؤمن في قرارة نفـــــسه بصحة وجدوى هذه القرارات، لكنه ظاهريا يشيد بها ويثني عليها وهذه أشد حالات «الشيزوفرينيا» غرابة على الإطلاق. صحيح أن بعض هذه الوظائف تمارس من المواطنين بالفعل وهناك -حسب الإحصائيات- عدد من العمانيين في الوظائف الإدارية حتى فبراير من 2019م، أكثر من 27 ألف موظف في الشركات بزيادة 9 % تقريبا عن نفس الفترة من عام 2018م. إلا أن إيجاد التشريعات والقوانين الواضحة والحاسمة كوقف ممارسة هذه الأعمال فورا من قبل الأجانب ومنع استقدم عمال في مثل هذه الوظائف هو الحل العملي الوحيد، وفي المقابل ننتظر من رجالات الأعمال مواصلة التفهم الإيجابي لمقتضيات هذه القرارات، فالقناعات الذاتية هي أكثر مضاء من القوانين ومن القرارات، باعتبارها تستند إلى مبدأ تغليب المصلحة الوطنية وعلو كعب المسؤولية الاجتماعية التي يتوجب أن ننهض بها بعد هذه السنوات من الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
إن الخوف الأكبر من أن تكون هناك تدخلات من أطراف أعلى للتأثير على تطبيق القرار ببعض الاستثناءات التي قد تضيع مثل هذه التوجهات وبالتالي ينسحب ذلك على الكثيرين ويذهب تطبيق مثل هذه القرارات أدراج الرياح كما يُقال، وما نتطلع إليه أن يحترم الجميع القرار لمقتضيات المرحلة بكل تفاصيلها.
للأسف إن الأطر والتشريعيات الحكومية تفتقر للتوعية قبل صدورها وتهيئة المجتمع والقطاع الخاص بأهمية هكذا قرارات وكيفية تنفيذها ومدى مساهمتها وسُبُل الإحلال إلى غير ذلك مما يوجِد سوء فهم لدى بعض الأطراف التي ربما مقتنعة بالتوجه ومختلفة في كيفية المعالجة وهو ما يجب معالجته في أي تشريعات أو توجهات يجب أن نهيئ الأرضية الصلبة لها قبل صدورها لما تشكّله من أهمية في تبديد سوء الفهم من خلال حملات إعلامية تستخدم كل الوسائل الإعلامية والتواصل الاجتماعي. على الجانب الآخر أيضا هناك مسؤولية تقع على الشباب الباحثين عن العمل أن يكونوا بديلا ناجعا في هذه المهن والوظائف وغيرها في القطاع الخاص حتى لا يكون التوظيف مسألة اجتماعية لا أكثر وتنقلب شركاتـــنا إلى جمعيات خيرية تتــــهاوى مع الوقت لضعف الإنتاجية وقلة الالتزام وعدم المبادرة وتطوير الذات.
فهذه مسؤولية الطرف الآخر الذي تسعى الحكومة والقطاع الخاص لإيجاد وظائف لهم. نأمل أن تكلل كل الجهود بالنجاح والتوفيق وأن يتفهم الجميع منطلقات هذه الخطوات ومقتضيات المرحلة الراهنة والقادمة وأهمية تجاوزها بكل عزم وإرادة لا تلين من كافة الأطراف ووضع المصلحة العامة فوق كل اعتبار فهي وحدها الأحق بالرعاية والاهتمام.