أبعدوا طبول الحرب

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٩/مايو/٢٠١٩ ١٣:٣٥ م
أبعدوا طبول الحرب

أحمد المرشد
احتلت تداعيات الأزمة الإيرانية – الأمريكية واحتمال اندلاع حرب إقليمية بالمنطقة موقع الصدارة في القضايا الدولية الساخنة خلال الأسبوع الفائت ولم تهدأ الأمور بين الطرفين، فكل جانب يدخر من الإمكانيات والتصريحات الكثير، فالأمريكيون أرسلوا بوارجهم وناقلات طائراتهم الضخمة الي المنطقة ناهيك عن القاذفات العملاقة «ب 52» وغيرها من الأسلحة الذكية لدك المواقع الإيرانية وتلقين طهران درسا لا ينسي في فن إدارة الحروب ومن ينتصر فيها؟ وهل يكون النصر لمصلحة القوي العظمي وأقوي اقتصاد في العالم والدولة التي ترهب الجميع وتتوعد وتهدد الجميع بضرورة الإذعان لأوامرها؟..أم إيران باعتبارها قوة إقليمية وتري في نفسها قوة جبارة عصية علي الهزيمة حتي لو كان الطرف الآخر هو الجيش الأمريكي بكل ما يملك من عتاد عسكري ناهيك عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي لم نعرف عنه حتي الآن أنه تعرض لهزيمة أو خسر أي صفقة أعلن دخوله فيها.
اعتقد أن هذه المقدمة ضرورة لوصف الأجواء المشحونة التي تعيشها منطقة الخليج في الوقت الراهن والتي لم نعشها ربما منذ الاحتلال العراقي للكويت وما أعقبه من حملة دولية لإجبار الجيش العراقي علي الانسحاب الأمر الذي أدى الى تدميره بالكامل ثم احتلال الجيش الأمريكي للعراق والإطاحة بالرئيس صدام حسين ومن هنا أبدأ الحديث.
الأمر كذلك في سوريا، فالتمدد الإيراني في سوريا لم يكن وليد الساعة، ولكن للغياب الأمريكي عن الساحة السورية منذ بدء الأزمة هناك في مارس 2011، حيث رفض الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما التدخل العسكري وترك المجال لإيران لتدخل بجيشها وحرسها الثوري وأموالها لتحتكر جزءا كبيرا من إدارة الملف السوري حتي شاركتها مؤخرا روسيا وتركيا، الأمر الذي يؤكد أيضا أن تملك إيران من الملف السوري يعود للغياب الأمريكي، بمعني أن الإدارة الأمريكية هي التي سلمت سوريا علي طبق من فضة لإيران.
وإذا عدنا لوثائق وكالة المخابرات الأمريكية (سي آي إيه) الجديدة التي أسقطت عنها درجة السرية مؤخرا، نكتشف أن إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر هي التي مهدت الطريق للخميني للعودة الى إيران والإطاحة بالشاه، فواشنطن أبدت مرونة عبر مفاوضات مباشرة مع الخميني قبل عودته بأيام الى طهران عودة «المنتصر الجبار»، تجاه الدستور ومشروع نظام الحكم (ولاية الفقيه) الذي كان يخطط له الخميني..ووفقا لتلك الوثائق، فإن الخميني طلب من إدارة كارتر التدخل لا سقاط حكومة شابور بختيار واستسلام الجيش قبل أربعة أيام من مغادرته باريس الى طهران.
وتخلص تلك الوثائق المهمة - التي أري أنه علي كل مواطن خليجي أن يطلع عليها ليدرك حقيقة المواقف الأمريكية وكيف تلعب واشنطن بمقدرات المنطقة – الا أن إعداد العرش للخميني كان طبخة أمريكية وفرنسية، وأن خبراء الإدارة الأمريكية اعتبروا قيام نظام حكم قائم علي ثنائية (الملالي والعسكر) هي الوصفة المناسبة لنظام الحكم الجديد في إيران.
ولنتذكر سويا أن الاتفاق النووي الإيراني الذي وقعته طهران مجموعة (5+1) في لوزان عام 2015 كان برعاية أمريكية مباشرة وبإيعاز مباشر من الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي اعتبره نصرا له في إدارة الملف الإيراني، ليأتي خلفه دونالد ترامب وينقلب علي هذا الاتفاق وينسحب منه ثم يصعد العقوبات ضد إيران حتي مرحلة تصفير صادراتها النفطية.
ومن هنا نتحدث عن حملة تسخين الأجواء في المنطقة وليس إشعالها، فالتسخين مرحلة أولية وليست نهائية، فهي هدفا في حد ذاتها ويعتبرها ترامب ضمن صفقاته التي يلعب بها مع خصومه، فهو يفضل استخدام هذا التعبير وإن جاء في مواقف مختلفة.
فترامب نفسه الذي يتوعد ويهدد إيران وأرسل قواته وبوارجه للمنطقة تحسبا لأي رد فعل إيراني ضد الأهداف الأمريكية في المنطقة، هو الذي دعا القادة الإيرانيين الي الاتصال به موضحا أن المسؤولين السويسريين يعرفون رقم تلفونه، هذا في حال رغبت إيران في التفاوض، وهنا يكشف ترامب رغبته في التحاور والحوار.
كما أبدي ترامب مرونة كبيرة في التفاوض وترغيب الإيرانيين في الحديث معه عبر هاتفه، فهو تعهد بمساعدة إيران اقتصاديا لتحتل مكانتها في المنطقة، بشرط التخلي عن مشروعها النووي وعدم حصولها علي السلاح النووي..وبالتزامن مع هذا الوعد لم يتوان الرئيس الأمريكي طبعا في إرسال حاملة الطائرات إبراهم لنكولن الي الخليج والقاذفات العملاقة.
فصفقة ترامب الحالية مع إيران ليست وعيد فقط وإنما خليط من التهديد والملاطفة، وبينما يريد في المقام الأول ضمان أمن إسرائيل وهو ما أعلنه مستشاروه الأسبوع الفائت عن الهدف من صفقة القرن مع الفلسطينيين وهو تأمين أمن إسرائيل ضد أي تهديدات مستقبلية، كذلك الحال هو هدف التصعيد الحالي مع إيران رغم مكاسب إسرائيل التي حصلت عليها من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسحب القوات الإيرانية في سوريا الي مسافة 80 كيلو مترا من الحدود الإسرائيلية، وكذلك منحها الحق بضرب بعض المواقع الإيرانية هناك.
وما بين سياسة «الترغيب والترهيب»، يريد ترامب تحقيق ما يريد من أهداف بدون شن حرب وتحمل تكلفتها الباهظة ماليا ومعنويا وبشريا، فالأمريكيون ليسوا في حاجة الي توابيت جديدة تصلهم كل يوم علي متن إحدي الطائرات، وكفاهم حروبهم القديمة في فيتنام والحديثة في الصومال وأفغانستان والعراق، فكل بيت أمريكي لا يريد الحرب مهما كان هدفها، خاصة وأن هدفها الحالي ليس أمريكيا خالصا.
ويتذكر الأمريكيون كيف أسقطوا رئيسهم جورج بوش الأب ولم يمنحوه أصواتهم لتولي ولاية رئاسية ثانية في حين هو الذي أعاد لهم ثقتهم بأنفسهم وفي جيشهم بعد خسائرهم الضخمة من جراء حرب فيتنام، بمعني أن الناخب الأمريكي لا يهمه من انتصر في حرب بقدر اهتمامه بأحواله الاقتصادية والرعاية الصحية والخدمات التعليمية وتقليل الضرائب وتوفير فرص عمل.. ولهذا نجح خصمه الشاب بيل كلينتون عبر حملته «الاقتصاد ياغبي».
لا نريد سرد قوة وقدرات كل طرف عسكريا، ولكن المهم أن أي سيناريو بحرب في المنطقة سواء محدودة أو ضخمة هو سيناريو مستبعد، خاصة وإن أمام إيران مجموعة كبيرة من الأهداف الأمريكية في مرمي سلاحها وقريبة من يديها كما يقولون، وكذلك لدي أمريكا وإسرائيل بنك ضخم من الأهداف الإيرانية المتاحة والمعروفة سلفا.
ولهذا هرع وزير الخارجية الأمريكي جورج بومبيو الي العراق ليحذر قادتها من الانخراط في أي عمل قد يضر بأي هدف أمريكي هناك أو القوات الأمريكية العاملة في العراق.
ولكن هذا لا يمنع من أن المشهد برمته صعب وشديد التعقيد لدرجة أن ترامب نفسه صرح بأنه لا يريد الانخراط في حرب مع إيران، ويبدو أنه رضخ لرأي قادته العسكريين بصعوبة تلك المواجهة العسكرية وغيومها المؤلمة علي الولايات المتحدة وخشية مخاطرها الكارثية، وبالتالي تتأكد الفرضية القائلة إن إرسال البوارج الأمريكية لمياه الخليج يأتي بهدف الردع وليس لأغراض هجومية، وبهذا تنجو المنطقة كلها من شر القتال والنزاع، وليستمر الرئيس الأمريكي في حربه الاقتصادية وهي الأجدى حتي يومنا هذا مع إيران التي اعترفت بصعوبة أوضاعها الاقتصادية.. والحال لم يختلف علي الجانب الإيراني عندما استبعد المرشد الاعلى علي خامنئي اندلاع مواجهة عسكرية ضد أمريكا قائلا:» لا نحن ولا هم يسعون الي حرب». وثمة كلمة أخيرة في هذا الصدد، فكلنا يعلم أن أي حرب أمريكية بالمنطقة أو حتي «قرصة ودان» لإيران تعني استنزافا لما لم يتم استنزافه بعد من الاقتصاد الخليجي، وأننا لسنا بحاجة الي أي حرب أو دعم من يدق طبولها أيا كانت أطرافها، ونحن لسنا بحاجة أيضا الي توتير الأوضاع وإشعالها بالحديث المتكرر عن الحرب، لأنه ثمة اتفاقا سريا بين واشنطن وطهران علي استنزاف مواردنا وإهلاكنا في الحروب الكلامية بينهما، والأهم علينا ألا ننسي أن العرب هم الذين صنعوا التاريخ وبالتالي يجب علينا أن نظل أقوياء حتي يتذكرنا التاريخ بقوتنا وليس بضعفنا، ومشكلتنا أننا أحيانا نرهن مواقفنا بمواقف الآخرين وهذا في حد ذاته ضعف وليس قوة.

كاتب ومحلل سياسي بحريني