(ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢١/مايو/٢٠١٩ ١٢:٢١ م
(ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)

علي بن راشد المطاعني
بقدر ما نفرح بنزول الغيث ونبتهج برذاذ الرحمة من المولى العلي القدير لارتواء الأرض واهتزاز التربة طربا، إلا أنه وسرعان ما تتحول هذه النعم الإلهية في بعض الولايات إلى مواكب من الحزن الأليم نتيجة للوفيات الناتجة من السيول ومحاولة البعض اعتراضها وتحديها، هي إذن مغامرات لا نجد أي مبرر لها غير الاستهتار وعدم الوعي والاستهانة بالمخاطر المحدقة.
فرغم التحذيرات والتنبيهات المتكررة من شرطة عُمان السلطانية والمركز الوطني للإنذار المبكر مع كل حالات الأنواء المناخية أو المنخفضات الجوية وغيرها وضرورة عدم المجازفة بعبور الأودية والالتزام بالتعليمات، إلا أن كل ذلك يذهب أدراج الرياح للأسف.
‏الأمر الذي يدعو إلى الحسرة والدهشة معا إزاء هذا التغافل وانحسار الوعي بها من جهات مسؤولة تسعى جاهدة لتوفير الأمن والسلامة للمواطنين والمقيمين في البلاد والحفاظ على أرواحهم وتخفيف الأعباء على الجهات المختصة المترتبة جراء عمليات الإنقاذ الشاقة.
فعندما نشاهد فرق الإنقاذ تحلق بالطائرات فوق الأودية نسأل على الفور لماذا غامر هؤلاء بحياتهم بعبورها تاركين خلفهم عائلات وأسر وأهل ينتظرونهم على أحر من الجمر، وفي المقابل نشفق على أعضاء فرق الإنقاذ المعلقين بين السماء والأرض لإنقاذ روح أو أرواح غامرت بنفسها بدون وجود أي مصوغ عقلاني لهذا الفعل، هذا فضلا عن التكاليف المادية التي تترتب على عمليات الإنقاذ من تحريك الآليات والمعدات والطائرات والأفراد وغيرها من المستلزمات، بل نجد حالة استنفار قصوى لدى كل الجهات ذات العلاقة وعلى مدار الساعة.
إن انهاك الجهات المختصة في مثل هذه الظروف نتيجة لعدم الالتزام بالتعليمات يملئ على المشرع العُماني تفعيل التشريعات الهادفة لمعاقبة كل من يغامر بحياته، فالمادة رقم 49 من قانون المرور نصت على:
(مع عدم الإخلال بالتدابير المقررة في هذا القانون أو بأي عقوبة أشد وارد في قانون آخر يعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن 3 أشهر وبغرامة لا تزيد عن 500 ريال أو بإحدى العقوبتين لكل من ارتكب أيا من الأفعال الآتية :
تعمد السائق عبور الأودية بشكل ينجم عنه تعريض حياته أو حياة الركاب معه أو الغير للخطر) .
وهذه من الدعاوى العمومية التي ينعقد الاختصاص فيها للادعاء العام لتحريكها، وكذلك الزام القانون كل من شاهد أو علم بوقوع جريمة بإخطار الجهات المختصة، وهو ما يوضح كيف أن المشرع العُماني عمل على حماية الناس من أخطار الأودية وتلافي خطرها بعدم العبور لما يمثله ذلك من أهمية كبيرة تتطلب الاستجابة لها، ومع ذلك فلا زالت الأخطاء الفادحة تقع.
عندما نتصفح حساب شرطة عُمان السلطانية في توتير نجد معلومات تفيد بإنقاذ أفراد جرفهم الوادي واحتجاز مركبة بداخلها آخرين، واحتجاز ثلاث مركبات بأحد الأودية مع ركابها، كل ذلك يحدث للآسف نتيجة ممارسات وأخطاء من بعض المتهورين آن الأوان لوضع حد نهائي لها وبالقانون.
فالاحصائيات من شرطة عُمان السلطانية تشير إلى أنه ورد 72 بلاغا منها 39 عن احتجاز أشخاص بداخل مركبات والمنازل، وطيران الشرطة نفذ 9 حالات إنقاذ لمواطنين من الأودية و 4 حالات إخلاء طبي لحالات طارئة. نتج عنها حالة وفاة واحدة وفقدان 6 أشخاص من عائلة آسيوية واحدة. وكل هذه الأعمال يمكن تجنبها إذا كان هناك وعي ومسؤولية في التعاطي مع مثل هذه الظروف مصداقا لقوله تعالى (ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة).
بالطبع لا نقول بأن الجميع يتصرفون بهذا النحو، إلا أن هذه الممارسات أصبحت ظاهرة تحتاج المزيد من الحزم لما تشكله من مخاطر على الفرد والمجتمع وتكاليف باهظة على الأجهزة المختصة.
نأمل ونسأل الله أن يستمر هطول الغيث على بلادنا وننتفع من خيراته فهو عطاء من الله جزيل يوجب الشكر وعظيم الحمد، وفي المقابل لا يسرنا بطبيعة الحال أن نسمع عن تلك الحوادث المؤسفة تارة أخرى.