العمل بالمزاج...

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٣/مايو/٢٠١٩ ١٣:٢٩ م
العمل بالمزاج...

علي بن راشد المطاعني
ليس من المبالغة في شيء إذا قلنا بأن العمل الإداري في بعض الأجهزة الحكومية بات يُنجز بالمزاج وليس بالنظام، أي إذا كان مزاج الموظف رائعا ومعتدلا فإن معاملتك سوف تُنجز بأسرع من البرق حتى وإن تتطلب الأمر غض الطرف عن بعض القوانين والإجراءات للأسف، أما إذا كنت من المغصوب عليهم فإنه سيقول لك بأن النظام لا يسمح أو يبحث لك عن أي علة في معاملتك لسبب بسيط هو إنك لم تدخل مزاجه أو إنه غير مستأنس إلى غير ذلك من تصرفات مرفوضة شكلا وموضوعا.
هكذا تصرفات علينا مواجهتها بكل حزم من خلال أنظمة تقييم الموظفين الإلكترونية لرصد أدائهم باعتبارهم يسيئون لسمعة العمل الإداري في الأجهزة الحكومية برمتها، ومن ثم العمل على إيجاد الحلول على مستوى كل وزارة وهيئة ووحدة حكومية بغير استثناء، فهذا الداء الوبيل لابد من مواجهته بأمصال قوية وفعالة.

لا يجب علينا أن نجامل أنفسنا أو أن ندفن رؤوسنا تحت الرمال، فإن كان لديك أحد في جهة ما فسينجز معاملتك وبغير أن تتكبد عناء الحضور، أما الذين لا يملكون فهم بالطبع أصحاب الحظ العاثر، فالمعاملة ستراوح مكانها في انتظار ذلك المنقذ.
هذه الممارسات أصبحت تشكل ثقافة عامة في المجتمع للآسف ونحسب بأن السبب يعزى لاستهانة الأجهزة بالظاهرة عندما كانت لا تزال تحبو حتى استفحلت، فلو كان الردع ومن البدء حاضرا وحاسما وسريعا لوئدت في مهدها ولكفانا الله شر قتالها اليوم وقد فرهدت وأينعت وطرحت ثمارها العلقم هنا وهناك.
الرسول صلى عليه وسلم وعندما عاد من إحدى الغزوات منتصرا قال (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر) ويعني جهاد النفس، فما أحوجنا اليوم لهذا النوع من الجهاد والنفس كما نراها أمست أمارة بالسوء، كما أن الله عز وجل وفي الآية 11 من سورة الرعد قال (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، والمعنى واضح ولا يحتاج لشرح أو استزادة، فكل جهودنا الرامية للتطوير والارتقاء والمضي قدما في الطريق المفضي للمجد لن يتسنى لها النجاح إلا عندما نلفظ عن أنفسنا هذا الداء الذي يكبل إرادتنا الحرة في مصافحة الفلاح ومرافقة الأمم المتقدمة في العالم.
بالطبع لا نستطيع أبدا القول بأن كل الموظفين قد أصابهم هذا الداء، هناك كُثر من أولئك الذين يتقون الله في أرزاقهم، ولولا هؤلاء لمادت بنا الأرض منذ وقت طويل، ولكن القلة التي تنتهج هكذا نهج ولأنه مستهجن وغريب ولا يشبهنا فإن صيته عم الآفاق تلك هي الطامة التي وجدنا أنفسنا أمامها وجها لوجه.
نأمل أن نعي ماهية التغيير المطلوب في أجهزتنا الحكومية ونعمل على اجتثاث كل الظواهر السالبة التي تعترض الأداء العام بجهاتنا ومؤسساتنا، فما نرغب في رؤيته ماثلا على الأرض هو تجرد ونكران ذات يرقى لسقف الكمال والذي هو لله وحده، ولكننا لابد من أن نجتهد مؤمنين بأن الوظيفة العامة تعد كرسالة مقدسة يتعين إيصالها لوجهتها كما يحب ربنا ويرضى، فهل نحن موقنون بذلك حقا وصدقا؟..