علاقات عائلية عكس التيار

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١١/يونيو/٢٠١٩ ١٣:٢٥ م
علاقات عائلية عكس التيار

محمد الراسبي

خصومات ونزاعات بين دول وبين قبائل وبين جماعات في ذات المجتمع .خصومات بين أسر وأهل وأقارب , بين اخوة وأبناء عمومة. النزاعات والخصومات بين الدول لها اسباب قد تكون سياسية اواقتصادية او لزعامة تكتكلات ما مقابل كتل اخرى ، اوميول مصالح دولة ما ضد دولة في الجانب الأخر ، مما ينتج عنه المقاطعات والحروب والتي بطبيعتها تولد الكوارث ان تطورت الى اوج نزاعاتها ، ومع هذا كله قد ترجع تلك العلاقات يوما ما بين الدول ، من مبدأ المصالح المشتركة ،والتي تصبح اولى الأولويات-للأسف- في بعض الإستراتيجيات ولكنها تظل في النهاية بين مد وجزر وتعود العلاقات حيث تكون المصلحة بل وتكون العلاقة وثيقة والعكس صحيح عندما تتنافر المصالح.

عندما نأتي ونقترب الى المستوى الأهم ,وملامسة حياة الفرد اليومية من نزاعات بين الأقارب ، والتي تعج بها المحاكم او المجتمع .في الوقت الذي من المفترض ان تكون هذه العلاقات الأعلى مرتبة في تقارب البشريه ، ولكننا نجدها اشد وأنكى بين المتخاصمين ،بل تستمر لربما الى مدى الحياه دون تقاطعات مصالح تذكر ، او حتى مؤشرات إيجابية في كثير من الحالات . بهذا تعتبر اشد فتكا وضياعا وشتاتا بين افراد الأسرة الواحدة من خصومات الدول ذاتها ، والتي تعتمد على المصالح في معظمها. فتجد القريب لايتحمل قريبه من لحمه ودمه ، ليس لشيء سوى نتيجة عشعشة المكابرة وعدم قبول الأخر والتعايش معه وإن كان في نفس محيطه ، مما يخلف نتيجة ذلك اجيالا اخرى تتوارث هذه الخصومات من الابناء والأحفاد.

مايحدث من فتن وتجاذبات تندرج معظمها تحت اسباب تافهة احيانا ،واستمرارها يظل هلاميا ليس له تفسير ، والبعض تأخذهم العزة بما هم ماضون فيه ، نتاج ما يقومون به تجاه بعضهم دون استراتيجية واضحة في العلاقات الاجتماعيا وخاصة للأقربين منهم. إنهم لا يضرون إلا انفسهم قبل ان يضروا غيرهم ، سواء بشكل مباشر اوغير مباشر سواء على مستوى الأسره او المجتمع ، سواء جوهريا اوشكليا اونفسيا او حتى جسديا . تلك كلها مؤثرات تنال من ذات الأشخاص لأنها حرب بين النفوس البشريه ، يعززها –للأسف-اولئك الذين يوقودون فتيل المصلحة وإبعاد الأخرين عن بعضهم ، لأنه في بعض الحالات بتقارب الأهل المختصمين تتباعد مصالح المستفيدين ,وما هم إلا كطفيليات تتغذى على حساب افساد العلاقات البينيه وذلك عندما يصنعون لهم سياجا يحيط بهم ويعزلهم عن محيطهم الأسري ، لكي تظل الفرقه ملاذا امنا لمثل هؤلاء والذي يطلق عليهم ( مفرقي الجماعات).
البعض من المتخاصمين للأسف تجدهم لايتأثروا بالمواعظ ولابالنصائح الشخصيه او حتى الجماعيه ، سواء العائليه منها او من الوسطاء اصحاب الخير ، او حتى الأخذ بالأسباب في انتهاز الفرص للوصول لنقطة وسط للمصالحه وانهاء الخلافات ، بل تجد المكابرة والإصرار . كل شخص يعتقد انه صاحب الحق ، فتظل المشكلة قائمه متمركزة صعبة في كلا الطرفين ، مأخذة اثارها في التمدد والإنتشار في الجسد الأسري الواحد ,حتى تصل الى مرحلة يصعب استئصالها.
إذن من الطبيعي من لايقدر الوسطاء المصلحون ويثمن جهودهم وحسن نيتهم ، او لا يقدم او يتقدم خطوة من التنازلات او التضحيات ويصر على موقفه بأنه هو الصحيح ، والأخر -اي الخصم- هو الخطأ ورفض التفاوض والتقارب للوصول الى نقطة التقاء تذوب الجليد الصلب ، فلن يكون هناك تصالح في الأفق القريب إن لم يكن ينعدم ، كون ان مبدأ الجديه والمصالحة مفقودة، ويغلب عليها التعالي والمكابرة ، وإن كانوا من الداخل-اي المتخاصمين- متلهفين للمصالحه ، لكن يظل روح التوهم الإنهزاميه والتنازل رهينة المكابره، مما يفقد المختصمين فرصا ذهبيه لعودة العلاقات الى طبيعتها.
يجب استغلال الفرص السانحه في مناسبات الأفراح والأتراح للتقارب وإنتهاز فرص التصالح وتقديرها .على المرء ان يكون فطنا حكيما نفسه بما يملي عليه ضميره وليس الأخرون وبما يخدم اسرته بعودة العلاقات وليس تفكيكها . ليس كل مبادرة تعني تنازلا وليس كل تنازلا يعني هضم الحقوق ,عندما يكون الهدف الأكبر عودة العلاقات الى طبيعتها من اجل اجيال المستقبل, حيث يكون الكسب اكبر وأشمل وما عداه لاقيمة له .