استراتيجية أموال البيسبول

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٢/يونيو/٢٠١٩ ١٢:٥٠ م
استراتيجية أموال البيسبول

كينت هارينغتون

أعطى رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي الأولوية للأبهة والبذخ على السياسة فيما كان يستضيف الرئيس الأميركي دونالد ترمب هذا الأسبوع.

كان الاستثناء الوحيد قضية كوريا الشمالية، التي أجرت مؤخرا المزيد من اختبارات الصواريخ القصيرة المدى قبالة ساحلها الشرقي. من الواضح أن آبي حريص على إبقاء اليابان والولايات المتحدة على نفس الخط الآن بعد أن تعثرت محادثات نزع الأسلحة النووية التي يجريها ترمب مع دكتاتور كوريا الشمالية كيم جونج أون. ولكن في مؤتمر صحافي مشترك يوم الاثنين، نبذ ترمب المخاوف بشأن الاختبارات الأخيرة ــ خارجا بذلك ليس فقط عن خط آبي بل وأيضا خط مستشاريه.

الواقع أن آبي لديه من الأسباب ما يدعو إلى القلق إزاء اكتساب كيم لميزة دبلوماسية مهمة.
من المؤكد، في ظل التحديات التي تواجه اقتصاد كوريا الشمالية ونقص المواد الغذائية الذي يلوح في الأفق، أن العلاقة الأفلاطونية بين كيم وترمب فشلت في ضمان تخفيف العقوبات الاقتصادية.
لكن كيم أعاد تشكيل فريقه التفاوضي وحاول اصطناع هيئة رجل الدولة المحنك، عارضا عقد قمة أخرى مع ترمب إذا كانت الشروط لائقة.

في الوقت ذاته، كان كيم حريصا على دعم موقفه لإجراء المزيد من المفاوضات، وخاصة من خلال التواصل مع الصين وروسيا. من المؤكد أن مثل هذه المبادرات من قِبَل نظام كوريا الشمالية ليست غير مسبوقة، لكنها غير معتادة. نظرا لكونه سليل أسرة حاكمة عملت طوال سبعين عاما على حماية استقلال كوريا الشمالية، ينظر كيم، مثله في ذلك كمثل جده كيم إل سونج مؤسس الدولة، إلى الاعتماد على الذات الوطنية على أنها عقيدة مقدسة.

ورغم أن الصين وروسيا حليفتان تقليديتان لنظام كيم، فإن جد كيم ووالده كيم جونج إل، كانا حريصين دوما على البقاء على مسافة من القوتين، وكانا غالبا يؤلبان كل من القوتين ضد الأخرى.

على النقيض من هذا، يتعاون كيم مع القوتين لإمالة المشهد الجيوستراتيجي لصالحه.
في الأرجح، لا تشترك الصين وروسيا وكوريا الشمالية في ذات النص، ولكن يبدو أنها استقرت جميعها على تقاسم العمل، وهي تعمل وفقا لذلك.
يقوم كيم بوظيفته على شبه الجزيرة الكورية، مستغلا حرص رئيس كوريا الجنوبية مون جيه إن على التقارب من أجل دق إسفين بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة. حتى أنه يفكر في إمكانية إجراء محادثات مع آبي، الحريص على عدم استبعاده من التبادلات الرفيعة المستوى. من ناحية أخرى، تلعب الصين دورها التقليدي بوصفها الشريكة الأكثر نفوذا للشمال.
وفي تجاهل واضح لمطالب الولايات المتحدة بتخلي كيم عن برنامجه النووي قبل أن يصبح في الإمكان تخفيف العقوبات، اقترحت الصين استخدام تخفيف العقوبات كتدبير لبناء الثقة على الطريق إلى حل سياسي. من جانبها، قررت روسيا، التي شاركت في مفاوضات فاشلة لإنهاء برنامج كوريا الشمالية النووي قبل أكثر من عشر سنوات، النزول إلى الساحة نيابة عن كيم. في الشهر الفائت، التقى كيم والرئيس الروسي فلاديمير بوتن لأول مرة.
وقد دعا بوتن، الذي رفض فكرة أن الضمانات الأمنية التي تقترحها الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية قد تكون كافية على الإطلاق لإقناع كيم بمتابعة نزع السلاح النووي، إلى استئناف المحادثات مع وجود روسيا والصين على الطاولة. سوف يستمر هذا التعاون الصيني الروسي الكوري الشمالي في الأرجح. فقد اعتاد كيم بالفعل على الاتصال بالرئيس الصيني شي جين بينج قبل وبعد اجتماعات القمة التي يعقدها مع ترمب، ومن المحتمل أن يكون نظامه على اتصال أكثر تكرارا مع الكرملين أيضا. ولا يبشر هذا بأي خير في ما يتصل بأهداف الولايات المتحدة في شبه الجزيرة الكورية.
ورغم أن روسيا والصين لن تدخرا جهدا في الحديث عن ضرورة نزع السلاح النووي، فإن أيا منهما لم تحاول بشكل جدي قط إعاقة برنامج أسلحة نظام كيم.
الواقع أن استعداد الصين وروسيا للتسامح مع كوريا الشمالية المسلحة نوويا يعكس حسابات استراتيجية.
وحتى لو كانا غير راضين غالبا عن سلوك كيم، فإن أولويتهما الأولى تتلخص في دعم نظامه.
ففي حال انهياره، ستكون النتيجة المرجحة إعادة توحيد شطري شبه الجزيرة الكورية في ظل حكومة في سيئول؛ وبهذا تجد الصين وروسيا فجأة حليفا للولايات المتحدة ــ وربما حتى قوات أميركية ــ على حدودهما.
ومن غير المرجح في ضوء هذه المخاطر أن تحد أي من القوتين من شحنات النفط المخالفة للعقوبات، أو في حالة الصين زيادة التجارة عبر الحدود.
علاوة على ذلك، من الممكن أن تكسب روسيا والصين الكثير بالاضطلاع بدور أكثر نشاطا في القضية النووية الكورية. يريد نظام كيم إبعاد القوات العسكرية الأميركية ليس فقط إلى خارج شبه الجزيرة الكورية، بل خارج مسرح غرب المحيط الهادئ بالكامل. وقد يناسب هذا الصين وروسيا تماما.
من ناحية أخرى، يوفر الانتباه الإضافي للقوات الأميركية في آسيا مادة سياسية مفيدة في الداخل، وخاصة الآن بعد أن سحب ترمب الولايات المتحدة من معاهدة القوات النووية المتوسطة المدى التي أبرمت في عام 1987 مع روسيا. وكل من روسيا والصين تشعر بالقلق حيال نظام الدفاع الجوي الصاروخي الأميركي المرتفع (ثاد) المضاد للصواريخ والذي يعمل الآن في كوريا الجنوبية. لكن التعاون الصيني الروسي لا يدور حول شبه الجزيرة الكورية فحسب.
فمع اشتداد تأثير العقوبات الغربية المفروضة على روسيا بعد ضمها شبه جزيرة القرم في 2014، أصبحت الصين سوقا متزايدة الأهمية ومصدرا للاستثمار بالنسبة لروسيا.
والآن بعد أن بدأت الصين تحل محل الدور الأميركي في آسيا، أصبح لدى روسيا سبب إضافي لتحسين علاقاتها مع القوة الجديدة. في الوقت ذاته، تعمل على تعميق علاقاتها الاقتصادية عبر المنطقة، في ظل خطط لمضاعفة التجارة الثنائية مع فيتنام إلى ثلاثة أمثالها بحلول عام 2020. من منظور الصين، لا تقدم روسيا الطاقة والمواد الخام فحسب، بل والأهم من ذلك، شراكة عسكرية محتملة. فبوسع روسيا أن تعمل على توفير التكنولوجيات الدفاعية وفوائد التدريب المشترك؛ وإذا نشأ صراع، فقد تصبح حليف الصين الرئيسي في آسيا.
ونظرا لتاريخ ترمب في التهديد على موقع تويتر بشن حرب نووية ضد كوريا الشمالية، فسوف يكون من المدهش أن لا تتضمن الاستراتيجيات العسكرية الروسية الصينية بالفعل خطط طوارئ لشبه الجزيرة الكورية. يتبقى لنا أن نرى ما إذا كان نهج كيم ليؤتي ثماره على طاولة التفاوض. لكن أي مشجع رياضي لابد أن يدرك خطة اللعب والدين المستحق عليه لبيلي بين، المدير العام لنادي أوكلاند للألعاب الرياضية.
في عام 2002، قاد بين النادي إلى أطول سلسلة انتصارات في تاريخ لعبة البيسبول، ليس عن طريق استخدام ضاربي الكرة الذين سجلوا بالفعل نقاطا في مباريات من حين إلى آخر، بل من خلال استئجار ضاربي الكرة الذين يسجلون بشكل ثابت.
على الرغم من هجومه على القمم النووية في سنغافورة وهانوي، لا يزال ترمب يتفاخر بأنه ضرب الكرة بالفعل فوق السياج. في ذات الوقت، يعمل كيم على تشكيل فريق قادر على إحراز نقاط ثابته لصالحه في الأمد البعيد.

من كبار المحللين السابقين في وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية وعمل كضابط استخبارات لشرق آسيا