ترمب يُبطئ نمو الاقتصاد الأميركي

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٣/يونيو/٢٠١٩ ١٥:٢٢ م
ترمب يُبطئ نمو الاقتصاد الأميركي

روبرت ج. بارو

منذ وقت طويل، كان الفرسان الأربعة في صنع سياسات الاقتصاد الكلي في الولايات المتحدة الأميركية، هم الضرائب والتنظيم والتجارة والبنية الأساسية. بعد قيامي بدراسة تفصيلية للمجال الأول، وجدت أن التخفيضات الضريبية ساهمت بشكل إيجابي في النمو الاقتصادي. وعلى الرغم من أنني فكرت في المجال الثاني بقدر أقل من التفصيل، إلا أن الأدلة تشير إلى أن التنظيم، في أفضل الأحوال، هو مجرد مُساهم ثانوي في النمو. المجال الثالث مهم للغاية، وهذا هو السبب في أن التوترات التجارية الحالية مثيرة للقلق بشدة. المجال الرابع موجود فقط بشكل بلاغي: حيث لا يمثل برنامج البنية التحتية حاليا جزءا من أدبيات ومرجعيات سياسة الاقتصاد الكلي.

بالنسبة للمجال الأول، في تقديري أن التشريع الضريبي لعام 2017 أضاف 1.1٪ سنويا إلى معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة للفترة 2018-2019. من هذه النسبة، عَكَسَت 0.9 نقطة مئوية انخفاض معدل الضريبة على الأفراد، بينما كان ما قيمته 0.2 نقطة مئوية مُستَمَدا من خفض أسعار الفائدة وتحسين أحكام وشروط الإنفاق للشركات. وفي حين أنه من غير المتوقع استمرار التأثير الإيجابي للتخفيضات الضريبية للأفراد، على النمو الاقتصادي، إلى ما بعد عام 2019، فمن المُرجح أن يستمر تأثير إصلاح ضريبة الشركات لبعض الوقت في المستقبل.

أما بالنسبة للمجال الثاني، فهناك بعض الدلائل التي تشير إلى أن توسُّع اللوائح الفيدرالية قد شرع في الانخفاض، بعد أن ظل لفترة طويلة في حالة زيادة. اعتبارا من عام 2017، يُظهر RegData، الذي يتتبع عدد الكلمات المرتبطة بقيود النشاط الاقتصادي في السجل الفيدرالي، أن اللوائح الجديدة قد استقرت. لم تعُد الأعباء التنظيمية على الأعمال والأنشطة الاقتصادية تزداد، لكنها لا تتضاءل أيضا.
وبالمثل، لم يظهر أي تقدم حديث في تقرير «ممارسة أنشطة الأعمال التجارية» في الولايات المتحدة، الصادر عن البنك الدولي، والذي يوفر قياسا أوسع للتنظيم الحكومي استنادا إلى عشرة مؤشرات في المتوسط. كان تصنيف الولايات المتحدة قد ارتفع من المركز الثامن عام 2016، إلى المركز السادس عام 2017 في الترتيب العالمي، لتتراجع مجددا إلى المركز الثامن عام 2018. إذا وضعنا جانبا الأداء النسبي، فإن التمثيل الأساسي للمؤشرات الرئيسية لا يُظهر تقريبا أي تغيير في الفترة 2016-2018.

كما أشار العديد من الاقتصاديين الآخرين، تشكل السياسات التجارية للرئيس الأميركي دونالد ترمب مصدر قلق كبير. فالأجندة التجارية للإدارة الأميركية مدفوعة بالفكرة الاقتصادية سيئة السمعة، والتي تقول بأن بيع السلع (الصادرات) أمر جيد وشراء الأشياء (الواردات) أمر سيء. المفارقة هي أن ترمب وبعض كبار مستشاريه التجاريين يشاطرون الصينيين هذا الرأي المضلل. في الواقع، كانت إدارة ترمب محقة في أن الصينيين فرضوا قيودا لفترة طويلة على الاستيراد والاستثمار الأجنبي (تزامنا مع انهماكهم في سرقة التكنولوجيا، سواء بشكل مباشر، أو عن طريق عمليات تحويل مُقنَّعة)، ولكن صراع )العين بالعين) المتبادل بشأن الرسوم الجمركية على الواردات في سوق الصرف، بين الولايات المتحدة والصين على مدار العام الفائت، هو أمر سيئ لكلا البلدين. يفترض كثيرون أن الصراع التجاري سيؤذي الصين أكثر من الولايات المتحدة، باعتبار أن صادرات الصين إلى أميركا أكبر كثيرا من صادرات أميركا إلى الصين. لكن فقدان الواردات الصينية سيفرض أعباء كبيرة على الاقتصاد الأميركي.

تُذكرني آراء ترمب بخصوص الرسوم الجمركية، بخطاب ألقاه رونالد ريجان بمعهد هوفر في ستانفورد قبل أن يصبح رئيسا. قال ريغان إن الرسوم الجمركية المفروضة على الصلب والسلع الأخرى هي رسوم مُبرّرة لاعتبارات تتعلق بالأمن القومي للبلاد. هذا المنطق، الذي انتقده الجمهور الحاضر، هو نفسه تقريبا منطق ترمب اليوم. ومع ذلك، ذهب ترمب إلى ما هو أبعد من ذلك لتبرير رسومه الجمركية، بمساواته بين الأمن القومي والأمن الاقتصادي. إذن، فأفضل طريقة لإبطال هذه الحجة لأسباب قانونية، هي ببساطة أن يقوم أحد الاقتصاديين بالشرح في المحكمة كيف تضر الرسوم الجمركية بالأمن الاقتصادي.

المشكلة الأكبر هي أن ترمب على ما يبدو يمتلك عاطفة شخصية نحو الرسوم الجمركية، ويرجع ذلك جزئيا إلى أنه يعتقد أنها ترفع الإيرادات، وجزئيا أيضا لاعتقاده بأنها ترفع الناتج المحلي الإجمالي (عن طريق تقليص الواردات، والتي يتم استبدالها بطريقة سحرية بالإنتاج المحلي). هذا التحدي لا يعترف بالعلاج السهل. دعا بعض المراقبين الكونجرس إلى إعادة تأكيد سلطته على الرسوم الجمركية -على الأقل عن طريق الحد من حجة الأمن القومي. لكن هذا ربما يُفضي إلى عواقب غير مقصودة بعيدة المدى، بالنظر إلى أن الرؤساء منذ الثلاثينيات يميلون إلى أن يكونوا أكثر دعما للتجارة الحرة من أعضاء الكونجرس، الذين يمثل كل منهم مصالح دوائر أضيق.
الأمل الآن هو أن الأضرار المتبادلة بسبب الرسوم الجمركية ستؤدي في النهاية إلى اتفاقية، تُحرّر الصين بموجبها سياساتها التجارية، وعندها ستُزال القيود على الاستيراد. وعلى الرغم من أن هذا -لإضافة مفارقة إلى المفارقة -سيفيد الصين أكثر من الولايات المتحدة، فالوضع محفوف بالمخاطر، حيث يزيد عدم اليقين بشأن النتيجة من حالة التقلب في أسواق الأسهم العالمية. ومهما حدث مع الصين، فلا يزال يتعين علينا القلق من قيام ترمب بفرض رسوم أخرى على المكسيك وأوروبا واليابان، وما إلى ذلك.
أما عن البنية الأساسية، فالاستفادة المتوقعة للإنتاج الأميركي من زيادة الاستثمار هي فوائد حقيقية. ومع ذلك، لم يحدث شيء حتى الآن. يتجسد الموقف بأفضل صورة في اجتماع أبريل بين ترمب وزعماء الكونجرس. وفقا لتقارير وسائل الإعلام، بدأ ترمب اللقاء باقتراح إنفاق تريليون دولار على البنية الأساسية، ورد الديمقراطيون باقتراح إنفاق 2 تريليون دولار. ويبدو أن ترمب وافق على ذلك مع بعض التردد. بشكل عام، يؤكد سوق الصرف مرة أخرى، أن كلا الحزبين أصبحا ينظران إلى مسألة الإنفاق الحكومي على أنها هدية مجانية، على الأقل عندما يجري تمويله عن طريق الدين أو باستحداث أموال جديدة. في الواقع، ربما من الأفضل لـ»أسبوع البنية التحتية» ألا يذهب إلى أي مكان.
بالنظر إلى حالة سياسات الاقتصاد الكلي الأميركية، فليس غريبا أن يتنبأ تقرير الناتج المحلي الإجمالي الأخير الصادر عن بنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا، بأن ينمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني بنسبة 1.3 %، متراجعا عن نسبة 3.1 % التي بلغها في الربع الأول. كان الإصلاح الضريبي لعام 2017 ليظل مساهما في النمو الاقتصادي لولا التوترات التجارية المتزايدة. للأسف، لم يعد من المرجح أن يقترب معدل النمو في عام 2019 من نسبة الـ 3 %.

أستاذ علوم الاقتصاد بجامعة هارفارد