«إكو سوق» في لبنان

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٧/يونيو/٢٠١٩ ١١:٥٣ ص
«إكو سوق» في لبنان

باميلا كسرواني
خلال زيارتي إلى لبنان، التقيت بجوسلين كعدي، مؤسسة المنظمة غير الحكومية «ريسايكل ليبانون» و»إكو سوق» للتحدث عن هذا المتجر الذي يعتمد مبدأ صفر نفايات والذي يعتبر الأول من نوعه في المنطقة العربية.

في أحد أزقة منطقة الحمراء ببيروت، يطلّ عليك متجر صغير أشبه بكهف علي بابا. ملابس، أكسسوارات، صابون، لوازم منزلية.... كل ما تراه أو تجده في «إكو سوق» هو منتجات محلية وصديقة للبيئة. أمرٌ قد يُثير الاستغراب في بلد عانى وما زال من أزمة نفايات وفي منطقة حيث عادات إعادة التدوير واعتماد سياسة صفر النفايات لم تغرس في الأذهان بعد. إلا أن الأمر حقيقة حيث تعرّف جوسلين كعدي عن «إكو سوق» قائلة: «هو مركز يعتمد على مبدأ الاقتصاد الدائري لتغيير العادات الاستهلاكية والإنتاج في ما يتعلق بالنفايات الخاصة بك وهو مركز يجمع جميع صنّاع التغيير».

وبالفعل، نريمان حمدان، هذه المرأة التي تستقبلك بابتسامة عريضة حالما تدخل المتجر وهي عضو في منظمة «ريسايكل ليبانون» وصاحبة هذا المتجر الذي كان متجر ملابس قبل ذلك وهي اليوم المشرفة عليه، تخبرنا «تتفاجئين من عدد الناس الذين يملكون الوعي وعدد المنتجين الصغار الذين يملكون منتجات جيدة ويفتقرون الإمكانيات للتسويق لمنتجاتهم. هنا، نحن نمنحهم الفرصة لعرضها وبيعها». وتضرب مثلاً بأكياس القماش والبقالة وتخبرنا أن نساء من مخيم شاتيلا ولاجئات سوريات ولبنانيات من الجنوب هنّ من يخيطها ما يوفّر لهن فرصة عمل إضافية ويساهم في الاقتصاد الدائري.
منتجات كثيرة لعلّ أبرزها المنتجات السائلة التي تطلّ على الرفوف في موزعات كبيرة مثل منظف الغسيل، ومنظف الخضار، ومنظف الأطباق، والشامبو من دون أن ننسى ألواح الشامبو والصابون والزيوت الأساسية أو الفخار المصنوع يدوياً أو المجوهرات المصنوعة من مواد معاد تدويرها وغيرها من المنتجات الكثيرة التي يوفّرها نحو 50 منتجاً محلياً.
أكثر من ثلاثة أشهر مرت على افتتاح «إكو سوق»، قد تبدو الفترة قصيرة لتقصي تفاعل اللبنانيين، إلا أن نريمان ترى أن «الأمور تتطوّر، والناس باتوا يحضرون ويسألون عن منتجات معينة ويأملون بأن نوفّرها». وتتابع «حتى أنهم باتوا معتادين على إحضار الزجاجات الفارغة لشراء مختلف السوائل المنظفة». وبحسب نريمان، لا ينتمي الزبائن إلى طبقة أو فئة اجتماعية معينة لا بل هم أشخاص يمرّون من أمام المتجر ويشعرون بالفضول أو أشخاص مهتمين يقصدونه. لكن الأكيد أن الجميع يعودون لاسيما أنهم يكتشفون أن ليست كل المنتجات العضوية والصديقة للبيئة أغلى ثمناً من العادية منها!
كما تذهب جوسلين إلى أبعد من ذلك وتقول «أردت أن أوضح أنه من خلال افتتاح أول متجر يعتمد مبدأ صفر النفايات في الشرق الأوسط، أعود وأعتمد على تقاليدنا» شارحةّ أن هذه العادات متأصلة أصلاً في ثقافتنا منذ آلاف السنوات واختفت في العصر الرأسمالي الحديث. وتذكرنا أن طالما كان آباؤنا وأجدادنا يشترون الحبوب والتوابل وغيرها من المنتجات «فَلِتْ» ويستخدمون المسواك والليفة التي هي منتجات نباتية كما أنهم اشتهروا بالطب العربي القديم والصابون البلدي...
فتريد جوسلين من خلال «إكو سوق» أن تظهر للغرب أننا مجتمع يمكن التعلم منه وبأننا كنّا قد نجحنا في الماضي لكننا نسينا عاداتنا الجيدةّ. وهي لا تريد أن تكتفي بهذا المتجر لا بل تسعى إلى إنشاء «قرية الاقتصاد الدائري» الذي تضم هذا المتجر وآخر خاص بالمأكولات والمشروبات ومختبر صيدلة ومطبخ ومساحة للصناع وورش العمل. كل هذه المبادرات، بالنسبة لجوسلين، ليست احتجاجاً على وضع راهن لا بل هي دعوة للعمل. وهنا تقول «ليس أمامنا خيار إلا إعادة تصميم نظامنا الحالي والنظر في الأسباب التي أودت بنا إلى هذه الحالة في الأساس. لا تنسوا ما يحصل مع أرضنا، ومع مياهنا، ومع هوانا، ومع بحرنا الذي يضم أكبر كمية بلاستيك دقيق في العالم حيث إننا في لبنان فقط نلقي 3000 إلى 4000 طن».
وترى جوسلين أنه من السهل اقناع المواطنين لأنه يجب إحياء ذاكرتهم لا تعليمهم عادات جديدة. ولكن الأكيد أنهم سيحتاجون إلى دفعة صغيرة للنظر إلى المشكلة والحل بمنظور مختلف. وهنا تشدد جوسلين على أن الحل هو «توسيع نطاق الوصول إلى البدائل وفرضها على الناس. على سبيل المثال، أصبحت بلدة بيت مري [اللبنانية] خالية من الأكياس البلاستيكية لأن البلدية حظرتها ووفّرت للناس أكياس بديلة. لذلك، ليس المهم أن نتحدث عن الموضوع لا بل أن نتصرف ونجعل الحل في متناول الجميع».