جدل حول الضريبة

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٨/يونيو/٢٠١٩ ١١:٣٢ ص

علي بن راشد المطاعني

في الوقت الذي بدأت فيه بعض دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تجني حصاد تطبيق القيمة المضافة بمليارات الدولارات لتعيد تجويد الحياة في دولها وتحسين سبل الحياة الأساسية وتعزيز جودة الخدمات المهمة للناس، كأحد السبل التي تنتهجها الدول المتقدمة في تطوير مجالات فيها وتعزيز سبل ترشيد الإنفاق وتحسين سلوكيات الناس في الاستهلاك بشكل رشيد، نعاني نحن من تطبيق الضريبة الانتقائية على السلع والبضائع المضرة للإنسان للأسف بتغليب النظرة أو المصلحة الخاصة على العامة، واستغلال المنابر للتباكي حول ما يمكن أن تحدثه الضريبة في حياتنا اليومية لدرجة ان البعض يدعي الفقر إذا طبقت هذه الضريبة أو تلك، ووصل بالبعض ان يدافع عن رفع اسعار منتجات كالخمور ولحم الخنزير والمشروبات الطاقة وغيرها التي طبقت عليها الضريبة الانتقائية ابتدا من 15 يونيو 2019 م ، بل البعض يصف الأرز كذلك بانه يضر بالصحة، ويكيل الاتهامات لمخاطر تطبيق الضريبة الانتقائية، الأمر الذي يدعو للأسف إلى هذا التعاطي غير المنسجم بين تغليب المصلحة الخاصة علئ مصلحة الوطن، والتضحيات التي يجب أن يبذلها الفرد في سبيل رفعة وطنه والنهوض به.

ففي البداية يجب أن نعي بان تطبيق الضريبة ايا كان نوعها مضافة أو انتقائية ليس لمصلحة مسؤول في الحكومة أو أي جهة بقدر أن ذلك لمصلحة الدولة تعود على شكل خدمة تعزز من الخدمات التنموية التي تقدمها الحكومة في كل مجالات التنموية في طول البلاد وعرضها، وما الجهات المسؤولة، الا ادارات محصلة للضريبة أو إدارتها إدارة مؤتمنة على موارد الدولة و تحصيلها لخزينة العامة لتدويرها فيما بعد على شكل خدمات ورواتب ومشروعات انمائية تعود بخيرعلى البلاد و العباد.
فالوفاء بالاستحقاقات الوطنية ايا كانت قيمتها المادية ووقعها على الفرد مواطنا أو مقيما لا تساوي ذرة مما قدمه الوطن لأبنائه ولا يمكن أن يرد الجميل الذي اصبغه الوطن على ابنائه، ولا يمكن مقارنة ما يدفعه الفرد مع ما ناله من خدمات، وهذه حقيقة يجب أن تكون ماثلة أمامنا جميعا بأنه مهما دفعنا من مبالغ ضرائب قليلة في حق الوطن و بسيطة مقارنة مع ما قدمه لنا لذا سنظل مقصرين ومدينين للوطن مهما كان.
والضرائب ليست إلا أداة مالية تستخدمها الدول لزيادة إيراداتها المالية لتحسين أحوال الحياة وفق معطيات معينة، ونتيجة لنقص في إيرادات العامة لظروف كنقص الإيرادات النفطية على سبيل المثال و تأخر سبل زيادة الإيرادات غير النفطية لأمور تتعلق بعجلة التنمية ومراحلها واكتمال البنية الأساسية وغيرها من الاستحقاقات للاوطان في مراحل البناء تأخذ وقتا طويلا للوصول إلى مراحل متقدمة للاعتماد على الإيرادات غير النفطية، ناهيك عن تطور المجتمع و تفاعله هو أيضا عامل مهم في تسريع وتيرة التنويع الاقتصادي والقبول بالمتغيرات التي قد لا تتواءم مع ما تعود عليه من عادات وتقاليد.
فحصيلة الضريبة المضافة التي حصلت عليها دولة الإمارات العربية المتحدة كمثال بسيط ‏بلغت عام 2018 م 27 مليار درهم اي ما يقارب 3 مليارات ريال عماني، سوف تضخ في شرايين التنمية والخدمات وتحسينها بما يهدف إلى جودتها، ولذا نحن عندما نعي هذه الحقيقة فائدة مثل هذه الإجراءات الهادفة إلى تطوير أساليب الحياة وتجويده خاصة ما يتعلق بالخدمات العامة التي يزداد الطلب عليها مع بقاء الإيرادات ثابتة أو ناقصة، فإنه من الطبيعي جدا أن تتردى الخدمات المقدمة للمواطنين في مجالات مهمة كالصحة و التعليم و التنمية الاجتماعية وغيرها من جوانب حياتية تمس حياة الناس، فلذا فإن المقارنة بين خدمة في هذه الدولة ولدينا سيكون من الاجحاف أن نقارن لهذه المعطيات وغيرها.
الأمر الآخر الذي تلجأ إليه الحكومة إذا ماطبقت الضريبة المضافة القروض الخارجية لتمويل المصاريف الجارية كالرواتب والخدمات العامة، وبذلك ترتفع المديونية على الدولة، فخدمة الدين العام سنويا ارتفع إلى 600 مليون ريال في الموازنة العامة لعام 2019 م، وربما يزيد في المستجدات المقبلة إذا لم نحسن إدارة الجوانب الضريبة وتوعية السكان بها وبلورة حياتهم وفق سلوكيات رشيدة تعزز الوعي بمقدرات الوطن وموارده وترشد اساليب حياتها وفق مقتضيات الحياة كما هي في دول العالم المتقدم.
فالتهويل من القيمة المضافة والانتقائية وغيرها لا يخدم مصالح الوطن وابناءه والتلويح بالفئات المتضررة يهدف إلى إثارة الزوابع المصلحية الهادفة إلى تغليب المصلحة الخاصة على العامة،رغم أن هناك مراعاة للفئات المستحقة ولا يجب أن ينصب البعض نفسه وصيا عليها، فالدولة هي الضامنة لحياة كريمة لكل مواطن في هذا الوطن، فالتلاعب بالألفاظ وإثارة المواجع حول التوجهات الحكومية الهادفة إلى إعادة صياغة موارد الدولة بشكل مستدام أمر مكشوف ومعروفة اجندته بتغليب البرجماتية و الأنا لدى الآخرين الذين يتاجرون بالجوانب الحياتية للمواطن والركود الاقتصادي إلى غير ذلك من منطلقات غير دقيقة وليست علمية.
نأمل أن تكلل المساعي الهادفة إلى بناء التنمية المستدامة وتعزيز الخدمات الأساسية و تغير سلوكيات الناس نحو الأفضل فالحياة بوتيرتها المتسارعة لا تنتظر من يفوته القطار ‏ولا يمكن أن نبقى بدون تغير ونرغب في التطور و التقدم الذي في اعتقادنا لايتأتى إلا من خلال مواكبة المتغيرات بوعي كبير لماهية الحياة و كيفية مواكبتها بشكل واع ومتغير .