ثورة الطاقة النووية

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٨/يونيو/٢٠١٩ ١٢:٠٠ م
ثورة الطاقة النووية

ويد أليسون

يطالب المتظاهرون في جميع أنحاء العالم بخفض إمدادات الطاقة الكربونية من أجل الحفاظ على البيئة. ومع ذلك، أخفقت في ألمانيا، سياسة Energiewende (تحويل الطاقة) التي كان من المفترض أن تستجيب لهذه المطالب، في تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ويتمثل جزء كبير من المشكلة في أنه، ردا على المواقف الطويلة الأمد المناهضة للطاقة النووية، يهدف صانعو السياسة إلى التخلص التدريجي من الطاقة النووية، وفي الوقف نفسه الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة لاسيما الرياح والطاقة الشمسية.

وعن طريق تعلم تسخير طاقة الرياح، والماء، والنار، (حرق الأوراق والخشب)– أي ما نسميه، اليوم، «مصادر الطاقة المتجددة»- اكتسب أجدادنا الأوائل السيطرة على الطبيعة. ولكن مصادرهم الطاقوية كانت ضعيفة، وكانت متاحة فقط عندما يسمح الطقس بذلك. ولذلك، كانت مستويات معيشتهم منخفضة، وكانت حياتهم قصيرة، وكان عددهم قليلًا.

وتغير كل هذا مع بدء الثورة الصناعية. إذ تعلم البشر ضخ الطاقة في المحركات عن طريق حرق الفحم، ثم انتقلوا بعد ذلك إلى النفط والغاز. ومقياس فائدة الوقود هو كثافة طاقته- أي عدد الوحدات الكهربائية (عدد الكيلوواط في ساعة) في الكيلوغرام الواحد (2.2 رطل). وللوقود الأحفوري كثافة طاقة تتراوح بين 1 و 7 كيلو وات في الساعة في الكيلوغرام الواحد- أي أكثر من الطاقة المتجددة ألف مرة- والتي يمكن تسخيرها في أي مكان وفي أي وقت، كيفما كان الطقس.
وشكل الوصول إلى مصادر الطاقة القوية هذه معظم التطورات الاقتصادية والسياسية خلال الـ250 عامًا الماضية. إذ زاد، آنذاك، عدد سكان العالم بثمانية أضعاف، وتضاعف متوسط أمد الحياة المتوقع، وتحسنت مستويات معيشة الناس إلى درجة كبيرة.
ومع ذلك، فإننا نقف اليوم على عتبة ثورة طاقية جديدة. إذ لم تعد فوائد الوقود الأحفوري تفوق التكاليف، ولا تزال الطاقة المتجددة القياسية ضعيفة وغير موثوق بها تماما كما كانت عليه قبل الثورة الصناعية.
ولتسخير الطاقة الكافية، يتطلب الحصول على وقود ما قبل الثورة الصناعية محطات ضخمة تدمر الطبيعة- بالكاد تكون «خضراء» أو»صديقة للبيئة»: أي أنه يحتاج إلى صفائف ضخمة من الألواح الشمسية، وغابات من طواحين الهواء العملاقة، ووديان نهرية تغمرها الفيضانات. ويدل حجم هذه المحطات على ضعف الطاقة التي تولدها، بينما يشير عملها المتقطع إلى أنها متاحة بنسبة 30٪ فقط. وكما أثبتت سياسة Energiewende(سياسة التحول)، في ألمانيا، فإن هذا الوقود لا يكفي.
ولن يحصل العالم على الثورة الطاقية التي يحتاجها دون سياسات طاقية واقعية وسليمة علمياً. ولقد أدركت جيدا العلوم الطبيعية للطاقة على مدار قرن، لذا، فالمفاجآت نادرة. والوقود الوحيد الآخر المتاح على نطاق واسع، والمعروف من الناحية العلمية، هو الوقود النووي، الذي يوفر طاقة وفيرة عند الطلب، و يلحق أقل ضرر بالطبيعة.
وليكون الوقود مصدرا للطاقة، يجب أن «يُشحن» من قبل بمصدر أكثر قوة- سواء بأخر ما التقطته مصادر الطاقة الشمسية من أشعة الشمس، أو، في حالة الوقود الأحفوري، بملايين السنين من عملية التمثيل الضوئي. ويفسر نفس الفيزياء الذي يفسر سبب كثافة الطاقة في الوقود الأحفوري 1000 مرة مقارنة مع كثافته ما قبل الصناعة، أيضًا، سبب كثافة الطاقة النووية خمسة ملايين مرة مقارنة مع الوقود الأحفوري.
إن وقود اليورانيوم والثوريوم الذي نجده على الأرض اليوم تحول إلى طاقة عندما تَكَوَّن في حادث انهيار الجاذبية قبل تكوين الكوكب. ويلاحظ علماء الفلك حدوث مثل هذه الانفجارات في أي مكان آخر في الكون اليوم.
إن كيلوغراما واحدا من الوقود النووي الذي تنتجه هذه الظاهرة يكفي لتوفير كل الطاقة التي يحتاجها الشخص من أجل حياة كاملة- ولا يتطلب انبعاث 1800 طن من ثاني أكسيد الكربون، ولا إطلاق عشرة ملايين طن من المياه بواسطة السد. إن النفايات الناتجة عن هذه الكمية القليلة من الوقود النووي قليلة بنفس قدر كمية الوقود، وعلى عكس الاعتقاد الشائع، فهي لا تسبب أي حوادث.
وبصرف النظر عن الانحلال الانفرادي للذرات المشعة، فإن الطاقة النووية محصورة بإحكام داخل نوى فردية، لا تلتقِّي أبدًا مع بعضها البعض إلا في وسط الشمس. ولا تصدرالنوىطاقتها قبل الأوان، لأن وحده النيوترون الحر يمكنه فتح القفل، وتتحلل هذه المفاتيح بسرعة: إذ يبلغ نصف عمرها عشر دقائق. ونتيجة لذلك، لا يمكن إطلاق الطاقة النووية إلا داخل مُفاعل نشيط. وهذه هيالسلامة المادية الاستثنائية للطاقة النووية.
وفضلا عن ذلك، فإن البيولوجيا تحمي الحياة من الإشعاع النووي. وخلال ثلاثة مليارات سنة، تطورت الحياة لتتعايش مع الإشعاع الطبيعي المنبعث من الصخور والفضاء، ولتطوير طرق للتعافي من الأضرار الناجمة. ولكن هذه قصة أطول. والنقطة المهمة هي أن التعرض المعتدل للإشعاع غير ضار تماما؛ بل تستخدم جرعات أعلى بشكل روتيني لتشخيص السرطان وعلاجه، وذلك بفضل عمل ماري كوري.
ويقبل الناس استخدام التكنولوجيا النووية من أجل صحة الإنسان؛ ويجب أن يفعل الشيء نفسه من أجل صحة الكوكب. ومع ذلك، مع أن المخاوف من الطاقة النووية ليس لها أي أساس علمي- بل إن الطاقة النووية أكثر أمانًا من أي مصدر آخر للطاقة- فإنها تنتشر في السياسة العامة، حيث، في كثير من الأحيان، يتخيل صناع السياسة المخاطر من أجل الترفيه.
إن مستقبلنا، وصحة بيئتنا، يتطلبان منا تغيير المسار واعتماد الطاقة النووية. ولدعم هذا التحول، ينبغي توفير تعليم أكثر شمولاً ودقة لأجل عامة الناس، ولأجل شباب اليوم الذين سيبنون في يوم ما محطات الطاقة النووية ويشغلونها في جميع أنحاء العالم. وفي الوقت نفسه، هناك حاجة إلى إعادة النظر في الكثير من البيروقراطية الوقائية التي اعتمدت خلال الحرب الباردة.
وفيما يتعلق بالسلامة، وإمكانية الاعتماد، والفعالية، والصداقة مع البيئة، تعد الطاقة النووية أفضل بديل للوقود الأحفوري. وبدون ذلك، لن تحدث الثورة الطاقية التي أصبح العالم في أمس الحاجة إليها.

أستاذ الفيزياء الفخري، وزميل كيبل كوليدج في جامعة أكسفورد، وهو مؤلف كتاب «الطاقة النووية من أجل الحياة: ثورة ثقافية»