التنمية.. والاستثمار في الموارد البشرية

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٣/يونيو/٢٠١٩ ١١:٥٤ ص

محمد محمود عثمان

التنمية لها متطلبات متنوعة ومتعددة ويعد الاستثمارالجيد في الموارد البشرية من أهم هذه المتطلبات، التي يجب أن نوليها جل الاهتمام في إطار السعي للتنمية الاقتصادية الشاملة ، في ظل الأجيال المتتالية للثورة التكنولوجية الرابعة والخامسة التي ستغير الكثير من المفاهيم والمعتقدات، لذلك تسعى دول العالم قاطبة إلى استغلال كل الموارد المتاحة لبرمجة الخطط التنموية ، ومهما كانت الأولويات فلابد أن تكون البداية من الموارد البشرية باعتبارها عاملا رئيسيا في نجاح كل الخطط الاقتصادية حتى في ظل التكنولوجيا المتقدمة، لذلك ليس غريبا أن سوق العمل يطالب دائما ،بمستويات عالية من الخبرات والمهارات التي تتمتع بها الأيد العاملة ويحتاجها سوق العمل ، باعتبار أن توافر الأيد العاملة المدربة والرخيصة أيضا .هو من أهم المميزات النسبية التي يتفوق بها سوق عن آخر، لأنها من عوامل الجذب القوية التي يسعى إليها المستثمر المحلي قبل الأجنبي، مما يستوجب التركيز على النهوض بالمورد البشري الوطني وإعداده ليتحمل مسؤولية المشاركة في المشاريع التنموية الوطنية ، في الإطارالذي يدفع عجلة الاقتصاد بالاتجاه الصحيح بدون الاعتماد على القوى البشرية الأجنبية والوافدة بشكل قطعي،وحتى لا تتحول الأيد العاملة الوطنية إلى مجرد متفرج ،ليخسر فرصة المشاركة الفاعلة وفرصة العمل المتاحة التي يمكن أن يستفيد منها مادياً ومعنوياً ، بدلا من أن نظل في حالة غضب وتذمر أو شكوى دائمة من استيلاء القوى العاملة الوافدة على فرص العمل المتاحة، ومن هنا لا يمكن أن نظل نبكي على اللبن المسكوب بدون أن نحرك ساكنا أو أن نتحرك إيجابيا ، لاكساب كل من يدخل سوق العمل المهارات والخبرات المؤهلة للتفوق والتنافس مع الآخرين ، واعتبار أن ذلك مسؤولية مشتركة ، تبدأ من المناهج الدراسية وقناعة الأفراد والحكومة والقطاع الخاص وربط التعليم والتعليم التقني ومراكز أومعاهد التدريب المهني باحتياجات التنمية الاقتصادية، لأن استمرار الوضع الراهن يعني بوضوح تزايد البطالة عاما بعد آخر، وما يترتب عليها من مشاكل متنوعة، ، بالإضافة إلى كونها قنابل موقوته قابلة للانفجارتهدد الأمن الاجتماعي والسياسي، إذا ما تعرضت إلى ضغوط أو مثيرات خارجية، مع التوسع الراهن في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بدون ضوابط أو حدود، لذلك علينا توخي الإدارة الاقتصادية والعلمية لتشغيل عناصرالإنتاج بالكفاءة المطلوبة ،ومنها الموارد البشرية التي تعد عصب الإنتاج ، والتي تمثل في ذات الوقت أكثر نواحي القصور التي يعاني منها العامل العربي الذي لا يجد الآلية الفعالة للاستفادة من قدراته وتوجيه طاقاته نحو تجويد العمل وزيادة الإنتاجية ،ولابد من أن نعترف بأنه لاتوجد وظائف شاغرة ، تستطيع استيعاب جحافل الخريجين التي ترغب في دخل سوق العمل سنويا ، كما لا تستطيع جهة بمفردها القيام بتطوير كفاءة التشغيل للقوى العاملة والموارد البشرية وتطويرها أوتزويدها بالمهارات التقنية والتكنولوجية التي تمكنها من الإبداع والتقدم وزيادة الإنتاجية ،ودعمها وتشجيع الفائض منها على التوجه لأسواق العمل الخارجية ،وهذه ثقافة يجب أن نهتم بها من الآن ،ولذلك نحتاج إلى قاعدة بيانات حديثة وخريطة طريق توفرالإحصائيات حول أعداد وأماكن الوظائف والمهن التي بها النقص ومستوى الجودة المطلوب، حتى تساعد متخذ القرار في التعرف على احتياجات سوق العمل للسنوات المقبلة كميا ونوعيا ،إلى جانب تهيئة المناخ الملائم للتدريب من حيث التمويل وتوفيرالمدربين وفق المعاييروالمواصفات الدولية لمستوى التدريب المطلوب ، لأن التحديات التي ستواجه المجتمعات النامية أنها لا تمتلك قاعدة عمالية مؤهلة ومدربة وقادرة على العمل والإنتاج والابتكار وتحسين الإنتاجية و اقتحام محاور ومجالات تنويع مصادر الدخل ، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها معظم الدول ولا سيما التي تعتمد على الريع النفطي كمصدر أساسي للدخل ، ومن الغريب أن الجميع يدرك هذه الاشكالية، والأغرب هو عدم القدرة على الوصول إلى جوهر المشكلة واقتحامها بجدية ومنهجية تبدأ من وضع المعايير التي تعني بتوصيف الوظيفة ومتطلباتها الذهنية والجسمية والعلمية على المدى القصير والطويل ،لتكون مرجعا حاكما للرقابة والمتابعة والتوجيه.

mohmeedosman@yahoo.com